|
دراسات جاءت الأعاصير والظروف المناخية لتسهم في خفض شعبية الرئيس بوش المتراجعة أصلاً, منذ بدء حربه على العراق مطلع ,2003 وكان إعصار كاترينا الضربة الخارجة عن الحسبان التي كشفت قدرات الدولة العالمية, وصاحبة أقوى جيش في العالم, إذ تعرت تماماً مظهرة عجزها الكبير عن مواجهة الأزمات المناخية, وبدت كأي دولة ضعيفة ومتخلفة في العالم, لا تختلف عنها شيئاً لتبدأ بعدها قوافل المساعدات تحط في جنوب الولايات المتحدة الأميركية. وجاء إعصار ريتا ليؤكد حقيقة العجز, وعدم قدرة الولايات المتحدة على مجابهة المشكلات الداخلية, في وقت تحشد فيه أكثر من مئتي ألف جندي في العراق وأفغانستان وحدهما, في حرب لم تستطع إدارة بوش تبريرها أخلاقياً بعد ثلاث سنوات من بدئها. ويأتي فوق هذه الخسائر والصعوبات الفضائح والمشكلات داخل البيت الأبيض وإدارته, لتنسف الكثير من المزاعم الأخلاقية التي يتفاخر بوش بها, ويعدها بأنها تشكل الركن الأساس في خياراته الإدارية. فقد اضطر بوش مؤخراً لسحب ترشيحه (لهارييت مايرز) لعضوية المحكمة العليا للولايات المتحدة, بعد ما تعرضت لانتقادات حادة واتهامات داخل مجلس الشيوخ بأنها غير مؤهلة لشغل هذه المنصب الذي يسمح لها بأن تكون واحدة من بين أرفع تسعة مواقع قضائية في الولايات المتحدة على الإطلاق. واللافت في رفض ترشيح هارييت مايرز لهذا الموقع كان التوافق بين الشيوخ المحافظين والديمقراطيين إذ رأوا فيها مرشحة غير مؤهلة كما أن سجلها الوظيفي حافل بالنقاط المشبوهة, وهي لم تلتزم بملء البيانات في وثائق ترشيحها, كما أن البيت الأبيض رفض الإفراج عن وثائق تتعلق بتحديد أسلوب اتخاذها للقرارات, الأمر الذي جعل القبول بها أمراً مرفوضاً, على الرغم من المساعي التي بذلها الرئيس بوش شخصياً لإقناع عدد من الشيوخ الجمهوريين المحافظين, لكنهم أبدوا رفضهم صراحة. ولم يرتكز رفض أعضاء الكونغرس لترشيح مايرز إلى حقيقة اختيارها من خارج المؤسسة القضائية الأميركية, لكنه استند إلى عدم قدرتها على القيام بمهمات الموقع الرفيع, وربما يكون اعتراف بوش بأنها ساعدت في اختيار القاضي جون روبرتس لرئاسة المحكمة العليا سبباً إضافياً لرفضها, إذ إن اختيارها يبدو دليلاً قوياً على ضعف البيت الأبيض, كما يبدو مؤشراً على اتباع بوش نهجا واضحاً لترقية الموالين له, وأعضاء دائرته الضيقة, بغض النظر عن القدرات والمهارات التي يمتلكونها. ولم تكن مايرز الأولى التي يفشل بوش في فرض ترشيحها لعضوية المحكمة العليا, فقد سبقها بريناردكيرك قائد شرطة نيويورك الذي اختاره بوش وزيراً للأمن الداخلي في ولايته الثانية, لكنه أدرك أن مجلس الشيوخ لن يقبل بترشيحه, لوجود العديد من نقاط الضعف في سجله الوظيفي, ففضل الانسحاب على المضي في حالة من السجال الطويل كما حدث مع هارييت مايرز, وإصرار الرئيس بوش على المضي في ترشيحها إلى أن اصطدم برفض مؤيديه ومعارضيه على السواء, وهم من حكموا على مايرز بأنها لا تحسن الاختيار. ولا تقف هموم بوش عند حدود رفض مرشحته مايرز, إذ انفجرت فضيحة كبرى تنذر بداياتها بعواقب قد تجبر الرئيس بوش على الاستقالة, معيدة إلى الأذهان فضيحة (ووترغيت) وإجبار الرئيس ريتشارد نيكسون على التخلي عن الكرسي البيضاوي وتركه لنائبه جيرالدفورد الذي فشل في أول انتخابات أمام الديمقراطي جيمي كارتر. فقد أعلن البيت الأبيض استقالة (لويس ليبي) مدير مكتب نائب الرئيس ديك تشيني بعد توجيه الاتهام إليه وتحميله مسؤولية تسريب أخبار سرية إلى الصحافة. ويأتي توجيه الاتهام نتيجة تحقيق مستمر منذ سنتين قاده المحقق الفيدرالي الخاص باتريك فيتزجيرالد إثر الطلب الذي تقدمت به وكالة المخابرات المركزية (CIA) والذي تشكو فيه من كشف هوية العميلة السرية التابعة للوكالة فاليري بلايم الموظفة السرية في الوكالة, وزوجة السفير الأميركي السابق جوزيف ويلسون المعروف بمواقفه المعارضة للحرب على العراق. في حين كان ليبي واحداً من أبرز المتحمسين لشن حرب على العراق وتغيير نظام الحكم فيها, حتى قبل أحداث الحادي عشر من أيلول ,2001 حيث كان ليبي يعمل مع تشيني الذي كان وزيراً للدفاع عام ..1992 وانطلقت تحقيقات فيتزجيرالد بعد مقال في (واشنطن بوست) للمعلق السياسي الأميركي الشهير روبرت نوفاك قال فيه إن فاليري بلايم هي التي اقترحت إرسال زوجها ويلسون إلى النيجر للتحقق مما إذا كان العراق سعى إلى شراء مادة اليورانيوم منها لاستخدامها في برنامجها النووي. في حين كتب السفير ويلسون لاحقاً عن مهمته وأوضح أن ادعاءات الإدارة الأميركية في هذا الشأن لم تكن صحيحة. كما أن ويلسون كان الدبلوماسي الثاني بعد (ايريل غلاسبي) في السفارة الأميركية ببغداد غداة غزو العراق للكويت في الثاني من آب .1990 ومن المعتقد أن كشف هوية زوجته كان يهدف إلى معاقبته, نظراً لمعارضته الكبيرة مع عدد من الدبلوماسيين السابقين للحرب على العراق. واليوم تبدو المخالفات التي قام بها أكبر مساعدي تشيني كبداية لدق واحد من المسامير في نعش الإدارة البوشية, فكشف هوية موظف في (سي آي إيه) يعد أمراً مخالفاً للقانون, الأمر الذي سيشكل حرجاً سياسياً كبيراً للرئيس بوش ونائبه تشيني, وخاصة بعد توجيه اتهامات رسمية من هيئة محلفين عاديين من بينها إعاقة سير (العدالة) وتقديم معلومات كاذبة, والكذب تحت القسم والحنث باليمين في قضية تسريب اسم الموظفة فاليري بلايم إلى الصحافة. وتشمل تحقيقات فيتزجيرالد أحد أبرز مساعدي الرئيس وهو كارل روف الذي يواجه تحقيقاً حول دور مزعوم بتسريب معلومات, ومن المتوقع توجيه اتهامات مباشرة له وإدانته بالجرائم ذاتها. وقد رفعت التحقيقات من سقف التوترات داخل البيت الأبيض, وظهرت بصورة واضحة بين كبير موظفي البيت الأبيض اندروكارد وبين كارل روف الذي ينظر إليه الرئيس بوش بوصفه (الولد العبقري), ولكن يبدو أن هذا العبقري سيأخذ طريقه للحاق برفيقه ليبي دون أن يجد شفاعة لدى النائب تشيني الموصوف بأنه أقوى نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة. |
|