تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اللعبة الجيوسياسية الكبرى في آسيا الوسطى

لوفيغارو
قضايا فكرية
الأحد 6/11/2005م
ترجمة: دلال ابراهيم

خلال الجولة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس الى منطقة آسيا الوسطى, أكدت قائلة,

في استهلال جولتها :(بأي شكل كان, علاقاتنا مع دول آسيا الوسطى, ليست موجهة ضد أي كان). ولكن لا موسكو ولا بكين التي توجهت إليهما بكلامها المنمق هذا لم يثقوا بأي كلمة قالتها: لأنه, وإن كانت السيدة رايس تطمح من خلال تأكيدها هذا الى تأكيد تواجد بلادها في تلك المنطقة, التي تتقاطع فيها جميع خطوط النفط في العالم, فقد انطلقت كل من روسيا والصين, منذ ستة أشهر في سباق محموم من أجل طرد الأميركيين خارج آسيا الوسطى, بكل الوسائل مع الإصرار على احراز نصر أكيد, بدؤوا يقطفون ثماره.‏

الركيزة الأولى ,في التوجه الروسي الصيني المشترك تتمثل في حرمان الأميركيين من قواعدهم الموجودة في المنطقة بعد /11/ أيلول, أي قبل طرد قوات حركة طالبان من أفغانستان. وقد طالبت السلطات المحلية في جمهورية أوزبكستان المتاخمة لأفغانستان, البلد الذي يعد أحد الركائز الأساسية لتأمين الامدادات للقوات الأميركية المتواجدة في كابول, طالبت الأميركيين بإخلاء قاعدتهم الموجودة في منطقة كراشي-خانباده الأوزبكية.‏

ومنذ بضعة أيام, وقبيل بداية جولة كونداليزا رايس, التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الطاجكي رحما نوف,من أجل دفعه لرفض إقامة أي قاعدة أميركية في بلاده. وفي قرغيزيا رأت رايس لإغرائهم برفع قيمة آجار القاعدة الأميركية هناك, والحفاظ على التسهيلات الممنوحة لبلاد العم سام في هذه الدولة الآسيوية , ولكن فقط لغاية انتهاء مهمة مكافحة الإرهاب في أفغانستان, المهمة التي تساندها الأمم المتحدة.‏

الركيزة الثانية تقوم على ما يمكن أن ندعوه دبلوماسية العقود الضخمة, ففي شهر أيار, على سبيل المثال, جرت مواجهات في جمهورية أوزبكستان بين القوات الحكومية والمتظاهرين, راح ضحيتها مئات القتلى من المدنيين, وطالبت على إثرها الولايات المتحدة بإجراء تحقيق دولي. وعلى الفور, قامت الصين بإعداد استقبال حافل للرئىس الأوزبكي كاريموف في بكين. وعرفاناً منه للدعم الصيني لبلاده في أوقاته العصيبة, منح الرئيس الأوزبكي لشركة الصين الوطنية للنفظ استثمار 23 بئراً في بلاده. وتم التوقيع على عقد مماثل مع كازاخستان. وواصلت الولايات المتحدة التحرك في المنطقة و كأن الرياح لم تأت عكس ما تشتهيه. ففي لاستانا عاصمة كازاخستان, كررت وزيرة الخارجية الأميركية أنه كان لبلادها فرصة قيادة هذه المنطقة نحو الديمقراطية, وفي الخامس من تموز وفي هذه المدينة بالتحديد طالبت منظمة تعاون شنغهاي,والتي تضم مجموعة من البلدان تقودها الصين, الولايات المتحدة مغادرة آسيا الوسطى, ومن أجل ايصال رسالتهم جيداً الى واشنطن, دعت الى جعل القواعد الأميركية, ست دول أعضاء في المنظمة هم كازاخستان, طاجكستان,أوزبكستان, تركمانستان, الصين وروسياو ايران بصفة (مراقب). أي قبل أن تقرر كل من موسكو وبكين معارضة أي فكرة بفرض عقوبات على طهران في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.‏

ويبدو أن الهدف الأساسي للمحور الصيني- الروسي - الايراني هو دفع الولايات المتحدة خارج آسيا. لأسباب تكمن في أن الثورات بكافة ألوانها, سواء البرتقالية في أوكرانيا أو الوردية في جورجيا أو لون التوليب في قرغيزيا مصدر قلق لجميع حكومات المنطقة, وبالتالي فإن ركل الأميركيين خارج المنطقة, يعني ر كل (مذهب بوش) وفشله, ذلك المذهب الذي يخطط الى فرض ما يدعوه العم سام الديمقراطية .‏

ولا يمكن للصين أو لروسيا القبول بتمركز الأميركيين الى قربهم في آسيا الوسطى. فمن جهتها لا تبغي موسكو فقدان نفوذها على جمهورياتها السابقة. لأن البترول, بالنسبة لموسكو, هو الأداة الأنجع للانبعاث الاقتصادي الجديد. وقد باتت روسيا هي المنتج الأول في العالم أمام السعودية. كما وتملك 16% من الاحتياطي العالمي للغاز وتشرف وتسيطر على منطقة واسعة من الشبكة العالمية لخطوط النفط والغاز. وباتت السيطرة على الطاقة هي الركيزة المفضلة للدبلوماسية الروسية. وليس وارداً لديها السماح للجمهوريات الآسيوية الوسطى العبور الى منطقة النفوذ الأميركي. أما اللعبة الصينية, فهي نتاج هاجسين الأول هو جنرالات الجيش الشعبي, إذ إن هيئة الأركان الصينية مسكونة (بعقدة السور الضخم), أي تطويق الصين عسكرياً دحراً لأميركا, ومن الناحية السلمية, لا يمكن للجيش الصيني التحرك, لأن مسألة التفوق الأميركي واضحة جلية منذ زمن بعيد لكن, ومن جهة أخرى, ليس وارداً لديها السماح لواشنطن زيادة قواعدها العسكرية في آسيا الوسطى. الهاجس الآخر الصيني, هو هاجس السياسية: فالرئيس الصيني هو جينتاو يعلم إنه بقدر ما تكون الآلية الاقتصادية منكمشة, يكون الحزب الشيوعي مهدداً, وربما مشلولاً. ولغاية الآن, لا تزال الأمور تسير بشكل حسن, حيث بلغت نسبة النمو الصينية أكثر بضعفي نسبة النمو الروسية والهندية والبرازيلية. كما وتزداد الواردات الصينية بنفس وتيرة زيادة الصادرات. وطبعاً تتطلب هذه الآلية الاقتصادية لاستمرار أدائها تأمين النفط.وقد باتت الصين المستهلك العالمي الثاني للنفط. واخراج الولايات المتحدة من جمهوريات آسيا الوسطى, يعني تأمين مصادر هائلة, دون تدخل أميركي ممكن في المستقبل, إنها الخطوة الأولى نحو العملقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية