|
قضايا فكرية وخاصة في مقالاته وتقاريره التي فضحت سجن أبو غريب في هذا الكتاب يضع المؤلف بين أيدينا كل ما كتبه وحقق فيه في محاولة منه للإجابة على السؤال الحاسم الذي كان مطروحا بقوة خلال السنوات الثلاث الأخيرة وهو: كيف انتقلت الولايات المتحدة في ذلك الصباح المشرق عندما هاجم مختطفو الطائرات مركز التجارة العالمي والبنتاغون ووصلت إلى مستنقع تلك الحرب القذرة والمثيرة للجدل في العراق? يبدأ الكاتب حديثه عن معتقل غوانتانامو الأميركي في كوبا ثم يشابه بين الممارسات الأميركية القذرة فيه مع المعاملة المشينة وغير الإنسانية التي يمارسها الأميركيون وحلفاؤهم البريطانيون في سجن أبو غريب في العراق ثم يجري تحقيقات ومقابلات بخصوص هذا المعتقل لفضح ما يجري فيه من فظائع, ليصل إلى اعترافات المعنيين بالأغلاط والانتهاكات الفادحة التي ترتكب في أبو غريب, والسر وراء تكتم الإدارة الأميركية والاستخبارات حول ما يجري هناك, ويلمح إلى أيد خفية وراء كل ذلك. كما يسلط الكاتب الضوء على الأحداث الأخيرة فيكشف عن الخلاف العنيف داخل إدارة الرئيس بوش والمتعلق بفكرة الاطاحة بصدام حسين, والربط بين العراق والحرب على الارهاب, ويسرد تفاصيل الحرب على العراق بدءا من الادعاء بامتلاك العراق مخزونا من الأسلحة البيولوجية والكيميائية مرورا بتوقيع الرئيس الأميركي قرار ( تحرير العراق وازدياد الشائعات عن خطر العراق الذي يدعون أنه يمتلك أسلحة دمار شامل وفرض برنامج النفط مقابل الغذاء على العراق وإعداد خطط الهجوم وتجييش الإدارة الأميركية والشعب الأميركي لتقبل فكرة غزو العراق والتنسيق مع طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني لضمان دعم بلاده لعملية الغزو ثم يوضح الكاتب تواصل الإدارة الأميركية مع أطراف المعارضة العراقية وتطمين أميركا لإسرائيل بعدم تعرضها للهجوم من قبل العراق. بعدها يتحدث الكاتب عن الهجوم العسكري على العراق اعتمادا على ذرائع مختلفة والأحداث التي جرت خلال هذه الحرب والتبعات على جميع الأصعدة وتأثيرها على الوضع الإقليمي والعالمي ودول الجوار. كان سجن أبو غريب الذي يقع غربي بغداد على مسافة 20 ميلا أكثر السجون الرديئة السمعة في العالم في فترة حكم صدام حسين.. وبعد سقوط بغداد تحول سجن أبو غريب إلى سجن عسكري أميركي .. كان معظم المعتقلين من المدنيين والكثير منهم اعتقلوا في عمليات تمشيط عسكرية ومن على نقاط التفتيش وقد صنفوا في ثلاث مجموعات .. مجرمون عاديون, ومعتقلون مشتبه بضلوعهم بجرائم ضد قوات التحالف, وعدد صغير من المشتبه بهم بكونهم قادة مقاومة( على درجة كبيرة من الأهمية). في حزيران من عام 2003 تم تسمية الجنرال جانيس كاربنسكي قائدا لفرقة الشرطة العسكرية ومسؤولة عن إدارة السجون العسكرية في العراق, حيث أصبحت مسؤولة عن ثلاثة سجون كبيرة وثماني كتائب -3400 جندي- معظمهم كانوا مثلها يجهلون كيفية معاملة السجناء. تم لوم الجنرال كاربنسكي رسميا وعزلت عن منصبها بهدوء وتم التحضير لتحقيق رئيسي يتعلق بنظام السجن العسكري( إساءات سادية وصارخة وخليعة وجرمية) وكانت هذه الإساءات غير القانونية - تطول المعتقلين .. كان هناك حوادث تدعم هذه الادعاءات منها تصريحات شهود مفصلة واكتشاف أدلة موثقة بالصور حيث تبدو الإساءات روتينا يوميا وكأنها حقيقية حياة الجندية التي لا يشعر الجندي بحاجة إلى إخفائها. قال جنرال كبير في حديث عن الإساءات المرتكبة في سجن أبو غريب ( إن عدم اهتمام القيادة أمر مريع.. أين كان الضباط? وأعني هنا الجميع.. إن ذلك فشل قيادي كبير). وفي مقابلات مع ضباط في البنتاغون, أجمعوا على أن النظام معطل.. وقال مسؤول رفيع في البنتاغون إن العديد من الضباط الكبار في الجيش ظلوا خارج حلقة ادعاءات أبو غريب وإن الجنرال سانشيز والجنرال جون أبي زيد ومسؤولين آخرين في مكتب رامسفيلد قاموا بما في وسعهم لإبقاء الأمر طي الكتمان. وعن غزو العراق يقول الكاتب: مع حلول ربيع عام 2002 بقيت إدارة بوش منقسمة بحدة فيما يتعلق بالعراق.. كان هناك إجماع واسع النطاق بأنه يجب الإطاحة بصدام حسين واختلاف حول كيفية القيام بذلك. كان هناك خلاف قوي عن عدد الجنود الأميركيين الذين سيلزمون لأداء المهمة وعما اذا كان يجب استهداف بغداد مباشرة وعن زعيم المعارضة العراقي الذي يجدر تعيينه زعيما مؤقتا.. والأهم من ذلك كله عن الطريقة التي سيستجيب بها الجيش العراقي للهجوم ,هل سيتراجع وينقلب ضد صدام? أم أنه سيصمد ويقاتل? أصبح الخلاف بين البنتاغون ووزارة الدولة شخصيا أكثر.. قال واحد من مساعدي أرميتاج مشيرا إلى فريق عمل وولفوتيز ( إنها عودة مخبولي اليمين زاحفين على طريق العودة) ( لقد خرجت السكاكين من أغمادها). بدأت الحرب على العراق في 21 آذار 2003 كان يشار إلى الهجوم على العراق باسم الخطة 1003 وفي 28 آذار صرح قائد القوات الأميركية البرية ( إن الخصم الذي نقاتله مختلف عن الذين خضنا حروبا سهلة ضدهم إنهم ليسوا خائفين.. إنهم ليسوا مذعورين.. أليس هذا شيء لافت للانتباه). ويتابع الكاتب سرد الأحداث بتفصيل ومصداقية فيتحدث عن عمليات القنص البشري, وعن استهداف المقاومة وعن باكستان والرهان على بيرفيز مشرف ويختم الكاتب بالقول: كان دور وزير الدفاع هو عقد المؤتمرات الصحفية الصعبة وامتصاص النقمة الشعبية كما فعل بسجن أبو غريب, ولكن بوش ونائبه كانا في وسط المعمعة معه في كل المسألة.. لقد تدبر رامسفيلد العمل القذر بكل محاوره وأخفى الأسرار ولكن ليس وحده فقد كان هو وقائد البيت الأبيض في فريق عمل واحد هناك الكثير عن هذا الرئيس ورئاسته لانعرفه ولربما لن نعرفه أبدا.. بعض أهم الأسئلة لم تطرح كيف فعلوا ذلك? كيف استطاع ثمانية أو تسعة من المحافظين الجدد الذين اعتقدوا أن الحرب على العراق هي الرد على الارهاب الدولي? كيف امكنهم اعادة توجيه الحكومة وإعادة ترتيب الأولويات الأميركية الراسخة وسياساتها بكل تلك السهولة? كيف روّعوا الصحافة والإعلام وضللوا الكونغرس وهيمنوا على القوات المسلحة الأميركية هل المشكلة هي أن الديمقراطية لدينا ضعيفة هشة? إن أكثر تفسير يمكن قبوله لتصرفات بوش هو أن الكلمات ليست لها معنى بالنسبة لهذا الرئيس فيما بعد اللحظة التي ينطق فيها بها, ولذلك فإنه يعتقد أن مجرد نطقه بالعبارات يجعلها حقيقة.. إنه احتمال رهيب. الكتاب شيق وممتع ويحتوي على تفاصيل مثيرة وحقائق ليست معروفة للجميع وضعها صحفي متمرس ومثابر يثق به الناس ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب. |
|