تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السياسات المسبقة والأدوات الملفقة

قضايا فكرية
الأحد 6/11/2005م
محمد ابراهيم حمدان

لم يعد خافياً أن الموقف من سورية أصبح مكشوف الأبعاد والأغراض.

فهذا الموقف محكوم بآليات ومساومات تتجاوز دم الحريري وكل الدماء التي أريقت على مذابح المؤامرة المحركة والمتحركة بأشكالها وألوانها المتجددة وأهدافها وغاياتها المتوحدة.‏

ولم يعد خافياً من خلال الوقائع والأحداث أن تدويل القضايا بات يشكل في معظمه مهرباً من حقائقها والتفافاً على معطياتها وإخراجها وفق منظور المصالح والحسابات السياسية الضيقة أو الواسعة للجهات التي تتخذ من التدويل غطاء لحساباتها ومراميها .‏

وفي العالم الآن ما يكفي من الأمثلة لفضح زيف الادعاءات والشعارات التي تصادر كل الحقائق والوثائق والاستحقاقات.‏

فمن / بليكس/ إلى / ميليس/ إلى المستر X يتوالى مسلسل التأويل والتدويل الذي جرّ العالم ويجره إلى المستنقعات السياسية التي تخلقها سياسة العدوان الأميركي المحكومة بأدوات الصهينة ونظريات الهيمنة.‏

فهل من منطلق الحرص على لبنان يجري ما يجري ويرسم ما يرسم?!‏

لقد اغتيل رؤساء ووزراء ومسؤولون على جميع المستويات ولم يحرك الإدارات ولا السفارات من دعاة الحرية وحماة الديمقراطية ساكناً لأن طبخة المؤامرة لم تكن ناضجة, والأجواء غير ملائمة والأدوات غير جاهزة.‏

إن منطق الأحداث وتداعياتها يؤكد أن الاغتيال المبرمج للرئيس الحريري والاستغلال الرخيص لهذا الاغتيال سابقة تؤشر بوضوح إلى أن الحدث كان متوقعاً والاستغلال كان مسبق الصنع والجاهزية, ولا تختلف حال الجرائم التالية على الساحة اللبنانية عن جريمة اغتيال الحريري من حيث الشكل والأداء والأدوات. وهذا بحد ذاته يدعم حقيقة المؤامرة في الاغتيال والاحتيال والتدويل . لأن جرائم التفجير اللاحقة جميعها حدثت بعد خروج سورية من لبنان بكامل وجودها, ومع ذلك بقي الإصرار قائماً على اتهام سورية بتوجيه من السفارات وتدخل الإدارات لشراء الضمائر الفاسدة والأدوات الحاقدة التي دنست ضريح الحريري ورفاقه وقبضت ثمن تواجدها المشين في رحاب الشهادة وساحة الشهداء .‏

فماذا تريد المؤامرة?! وأي مصلحة لسورية ولبنان في كل ما يحدث?! وأعود إلى التأكيد مرة أخرى على أن اغتيال الحريري لم يكن هدفاً بحد ذاته بقدر ما كان وسيلة لفتنة تنتقل بالمؤامرة من السر إلى العلن ومن الفكرة إلى الممارسة, واستغلال الحدث بأبشع صورة وتجييره لصالح الحسابات الحاقدة على حاضر الأمة ومستقبلها.‏

ولم تستطع بعض الأدوات إخفاء ذلك بالعودة إلى الطروحات الإنعزالية والسياسات التمزيقية في الواقع اللبناني كمقدمة لتعميم هذه الحالة على المنطقة العربية بأسرها.ويأتي الإفصاح الصهيوني عن دوره الأساسي في الأحداث من خلال القرار 1559 الذي شكل منصة الإطلاق المفتوحة على الجميع بما فيهم الحريري وصولاً إلى إرغام المنطقة على الاستزلام والاستسلام. فهل هذا الترابط والتوافق والتناغم محض صدفة جاءت بها الأقدار أو مؤامرة صاغها الأشرار لاحتواء المنطقة واحتلالها?!‏

وليس تقرير ميليس سوى تتويج لهذه المرحلة المتقدمة من المؤامرة من خلال سقوطه في متاهات السياسة والتسييس الذي لا يخدم تحقيقاً ولا حقيقة.‏

ومن يتتبع إشارات المساومات المعروضة على ساحة التعامل الدولي مع الإشارة إلى تراجع المفهوم الدولي أمام المفهوم الأميركي المدول والفهم الأميركي المتداول الذي أصبح يمثل الحقيقة الواحدة في عام القطب الواحد المصادر بأحادية الرؤية وازدواجية المواقف والمعايير يدرك ما بين السطور وما وراء الأبواب وعلى أبواب تلك المساومات وفي حساباتها تسقط كل الدماء وتطوى جميع الملفات الساخنة والباردة معاً.‏

إن آخر هموم التدويل من خلال تسييس تقرير ميليس هو البحث عن قتلة الحريري. فهم معروفون ومكشوفون لأولئك الباحثين ولكل ذي بصر وبصيرة من خلال مقدمات الاغتيال ونتائجه وتداعيات تلك النتائج على سورية ولبنان وإرادة المقاومة في البلدين .‏

فالمسألة ليست ( حريرية) في حقيقتها ولا في مساراتها بقدر ما هي أشواك يجري العمل على زرعها في عيون المنطقة ووجدانها وثقافتها وهويتها.‏

وما اغتيال الحريري سوى الشرارة في الحريق الأكبر الذي ينفخ الآمرون والمتآمرون فيه باستمرار لحجب البصائر عن الحق والحقيقة وحرائق المؤامرة التي لن تبقي أحداً بمأمن من اللهيب والدخان.‏

هذه هي الحقيقة الوحيدة التي لا يتورع أقطاب المؤامرة عن إعلانها والتشدق بها على جميع المنابر بأن المطلوب سورية ومواقفها وعلى سورية أن تتنازل وتستجيب لأهداف المؤامرة عليها .‏

فهل بعد ذلك من عذر لمعتذر?! وهل بعد الهدى غير الضلال المبين?!‏

إن الشعوب لا تموت وإن الحقيقة لن تخفى إلى الأبد, وإن سورية ولبنان الشعب الواحد في بلدين وما بينهما من الروابط الوثقى التي تستعصي على قوى البغي وأزلام التآمر لا يجوز أن يدفعا ثمن مؤامرة هما الضحية الأولى لها.‏

وعلى الجميع أن يعلموا أن مصادرة الشعوب والعقول بأكاذيب السياسة وأضاليل العملاء من أبناء التزوير والتلفيق لن تستمر إلى مالا نهاية. وإن في العالم من شرفاء العدل وأرباب الحق والعقل ما يكفي لدحض الأضاليل وفضح التآمر على الشعوب والتلاعب بإرادة البشرية في الحياة الآمنة والحرية الحقيقية بعيداً عن زيف الزائفين وسقوط المتآمرين .‏

عضو اتحاد الكتاب العرب‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية