|
اقتصاد مدير الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للتقاعد بعد أن يكون قد بلغ الثمانين من عمره, وأمضى منها ثمانية عشر عاماً على رأس المؤسسة المصرفية المركزية في أكبر اقتصاد في العالم. ومن المقرر أن يخلفه ( بن برنانك) الشاب بالمقارنة مع الخلف 51 عاماً الاستاذ السابق في قسم الاقتصاد بجامعة برنستون, والذي أضحى كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس بوش منذ حزيران الماضي, الأمرالذي ساعده على الفوز بهذا المنصب الذي ارتبط بغرينسبان, ومكنه من تجاوز منافسين اثنين أحدهما كاهنوونالد كونه أحد كبار موظفي الجهاز الاحتياطي الفيدرالي, وأكثر المقربين وظيفياً من غرينسبان, إضافة إلى كارتن فيلدستاين ر ئيس المكتب القومي للبحوث الاقتصادية.. ويبدو أن اختيار برنانك تم خارج رغبة غرينسبان, رغم أنه حقق نجاحات اقتصادية ومالية ونقدية واضحة على مدى عقدين وولايات رئاسية شملت كلاً من رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن , وأمام هذا الاحتمال ثمة اجراءات متوقعة قد تغير نهج وآليات بعض ا لسياسات النقدية الأميركية التي حافظ غرينسبان على سريتها بما أتاح له قدرة على مواجهة المتغيرات والاستجابة لضغوط التضخم والبطالة والدفع نحو مزيد من الاستثمار عبر اجراءات تنفيذية دقيقة بدأت بخفض معدلات الفائدة حتى وصلت أدنى سعر لها خلال خمسين عاماً, إذ وصلت إلى 1,75% قبل ثلاثة أعوام, ليعود بعدها ويبدأ سياسة رفع سعر الفائدة السنوية بمعدل ربع نقطة مئوية كل ثلاثة أشهر بمعنى رفع سعر الفائدة 1% كل سنة وصولاً إلى سعر 3,75%, محققاً بذلك توافقاً بين الاستثمار والواقع المعيشي للأميركيين الذين بدؤوا معاناة حقيقية بعد حرب بوش على العراق, تمثلت في عجز الموازنة الحكومية, وعجز في المدفوعات الخارجية, تسببت في تراجع قيمة الدولار أمام العملات الأجنبية إذ تقدم اليورو لأول مرة متجاوزاً قيمة الدولار وصولاً إلى تحقيق سعر صرف يوازي 1,4 دولار لكل يورو. كما ارتفع كل من الين الياباني والجنيه الاسترليني أيضاً. وقد استطاع غرينسبان جعل سعر الفائدة وسيلته الناجعة لجذب الاستثمارات وتنشيطها في مجالات العقارات خاصة واسهمت سياساته في حفز الاستثمار بالسندات الحكومية المعتمدة على أسعار فائدة طويلة الأجل لأن المستثمرين الذين يخشون في العادة من منعكسات التضخم, اعتمدوا قيمة سعر الفائدة كأحد أهم العوامل المؤثرة في اتخاذ قراراتهم في تحديد مواقع الاستثمارات الفضلى, وبذلك استطاع غرينسبان تحويل رؤوس أموال كثيرة للمضاربة في سوق العقارات مع بدء ارتفاع العجز في الموازنة, بالتوافق مع الرفع التدريجي لسعر الفائد ة دون أن يفصح عن حقيقة نواياه, ودون أي تحديد سابق لسعر الفائدة المزمع تغييره صعوداً أو هبوطاً.. وهكذا استمر غرينسبان عقدين متحكماً بالسياسة النقدية والمصرفية للولايات المتحدة, وما تتركه من انعكاسات على الاقتصاد العالمي, أما ماينتظر برنانك فإنه يبقى في عالم المجهول الذي قد يواجه ظروفاً تختلف عن الظروف الاقتصادية التي واجهت سلفه, وقد يكون أولها زيادة العجز في الموازنة العامة بسبب المصاريف المتزايدة والمطالب العسكرية المرتفعة نتيجة استمرار الاحتلال الأميركي للعراق, والذي تفوق فاتورته السنوية200 مليار دولار. ويفاقم من هذه المصاعب ارتفاع أسعار الطاقة ووصول سعر برميل النفط إلى حدود 60 دولاراً وما زال يخشى من ارتفاعه مع دخول فصل الشتاء والبرد. فضلاً عن المخاطر التي تواجه وحدات التكرير والمصافي التي نجت بأعجوبة من الأعاصير التي ضربت الجنوب الأميركي (كاترينا, ريتا, ايلما) وبالعودة إلى برنانك فمن المتوقع أن يلجأ إلى سياسة مختلفة. فهو خلافاً لغرينسبان يعتقد أن تحديد سعر الفائدة وحده لا يكفي لمواجهة تأثير التضخم, ولن يكون وسيلة ناجعة لنجاح السياسة النقدية التي تحفظ التوازن الاقتصادي وتضمن تحقيق ربحية معقولة. وفي الواقع فإن برنانك سيواجه مشكلة التضخم التي بدأت تطل من جديد وتفرض نفسها على الاقتصاد الأميركي الذي سعى جاهداً للتخلص منها على مدى السنوات العشر الأخيرة. ومن المتوقع أمام هذه الحال أن يلجأ برنانك إلى سياسة جعل الكتلة النقدية نفسها العنصر الأكثر تأثيراً في التغيرات النقدية التابعة لها, بمعنى أن يلجأ الجهاز الاحتياطي الفيدرالي إلى التحكم بالكتلة النقدية المتداولة داخل السوق الأميركية أو خارجها. وهذا غاية في الصعوبة باعتقاد كثر من الخبراء الماليين, ويدفع برنانك إلى هذا الإجراء إيمانه بأن سعر الفائدة لا يمكن التنبؤ فيه في ظل ارتفاع الأسعار, خلافاً لحالة الاستقرار النقدي التي تضمن مستويات متدنية من تكاليف المعيشة, ورغم هذه المخاوف فثمة احتمالات لنجاح سياسة برنانك الذي سيواجه التضخم اعتماداً على معدل النمو الذي حققته الولايات المتحدة على الرغم من ارتفاع أسعار البترول , وتراجع مؤشر ثقة المستهلكين بالاقتصاد الأميركي. إذ إن حجم الكتلة النقدية المتداولة, قد تعزز ثقة المستثمرين الأجانب الساعين إلى تحقيق ربحية عالية في الولايات المتحدة في ظل الاحتكام إلى سعر فائدة يقارب 4% أو يقل عنها. |
|