تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل تقارب «خليفة ماي» مع ترامب يخمد نار الأزمة مع إيران؟

The Guardian
دراسات
الجمعة26-7-2019
ترجمة: ليندا سكوتي.. بقلم سوزان مالوني

في هذه الأونة، يعد بوريس جونسون الموجه الرئيس لدفة الأزمة الحالية التي تعصف بمنطقة الخليج إثر احتجاز ايران ناقلة نفط بريطانية الأمر الذي قد يفضي إلى مشاركة بريطانيا والمجتمع الدولي

في الخلاف المتصاعد بين واشنطن وطهران. لكن في خضم هذه الأزمة، ثمة فرصة قائمة تتمثل بتسخير رئيس الورزاء البريطاني الجديد علاقته الوثيقة مع دونالد ترامب للتوصل إلى تهدئة مع إيران وتعزيز العلاقة المتوترة عبر الأطلسي.‏‏

وجهت إيران الاتهام للناقلة ستينا إمبيرو بصدم قارب صيد وانتهاك القوانين الدولية ولا شك بأن عملية الاحتجاز قد جاءت بعد فترة وجيزة من تهديدات أطلقها القادة الإيرانيون جراء استيلاء البريطانيين على سفينة ترفع العلم الإيراني قبالة مضيق جبل طارق بذريعة انتهاكها للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سورية.‏‏

اندلعت هذه الوقائع في خضم أجواء من التوترات الأوسع التي تشهدها منطقة الخليج منذ شروع الإدارة الأميركية بتضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني. وعقب التكثيف الأخير للعقوبات الأميركية شهر أيار الفائت، أطلقت بعض الجهات مزاعم وادعاءات تربط بين عمليات تضييق الخناق والهجمات الأربع التي جرى تنفيذها على ناقلات نفط أربع وخط أنابيب سعودية. وفي غضون الشهر الماضي، لوحظ أن الدولتين قد تجنبتا الخوض في مواجهة عسكرية مباشرة إثر إطلاق إيران صاروخ أرض-جو أدى إلى إسقاط طائرة أميركية مسيرة، الأمر الذي جعل ترامب يعطي الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات قصف على إيران ثم ما لبث أن عدل عن موقفه، بيد أنه بذات الوقت منح تفويضا للقيام بهجمات الكترونية وفرض عقوبات إضافية على إيران.‏‏

لا ريب بأن ما اتخذته إيران كان من الأمور المتوقع حدوثها، ففي هذه الحالة، يعد الرد المضاد جزءا من مناورة أوسع تهدف إلى إنقاذ إيران من حالة الحصار الاقتصادي الطويل الأمد الذي فرضته واشنطن.‏‏

وقد أثبت الواقع أن قرار الإدارة الأميركية الذي اتخذته شهر أيار عام 2018 كان قرارا صعباً، على الأقل بالنسبة لتداعياته على الاقتصاد الإيراني. إذ أدى إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية إلى خفض الصادرات النفطية الإيرانية، وقطع علاقاتها المصرفية مع العالم، وولد ارتفاعا في نسب التضخم، فضلا عما قاد إليه من تدن بمستوى المعيشة لدى الكثير من الإيرانيين. ولطالما واجهت إيران تحديات اقتصادية منذ ثورتها عام 1979 ، لذلك بات لدى القادة الإيرانيين خبرة واسعة في التخفيف من وطأة العقوبات الأميركية.‏‏

في بادئ الأمر، بذل القادة الإيرانيون مساعي حثيثة للتخفيف من وطأة العقوبات عبر الاعتماد على أوروبا، ولكن لم يجد ذلك نفعا. وعلى الرغم مما أبدته الحكومات الأوروبية من التزام بتنفيذ الاتفاق النووي، إلا أن الواقع قد أثبت عجزها تجاه منع انسحاب الشركات الأوروبية من إيران تحسبا من العقوبات الأميركية. وعلى الرغم من فتح أوروبا قنوات الاتصال البنكية بهدف الحفاظ على التجارة الإنسانية مع إيران، لكنه بدا على نحو جلي عدم قدرتها على تعويض تكاليف الانسحاب الأميركي من الاتفاق.‏‏

ولمواجهة ما تتعرض له من ضغوطات، عمدت إيران إلى اعتماد وسائل متاحة بالنسبة لها، والاعتماد على قدرتها الذاتية في تغيير الوضع لصالحها. إذ يرى المرشد الإيراني الأعلى أية الله علي خامنئي بأن هدف واشنطن من تضيق الخناق على البلاد هو إضعافها ما يدفع بها إلى طاولة المفاوضات الأمر الذي من شأنه أن يفضي إلى سرقة حقوق الشعب الإيراني ومقدراته. وقد شدد بأن بلاده ستعمد إلى ممارسة الضغوطات بهدف إجهاض هذه المؤامرة التي تحاك ضدها.‏‏

الاستفزازات في منطقة الخليج غذت الحاجة الملحة للاتفاق النووي,كما وأن التهديد لناقلات النفط قد أدى إلى زيادة أقساط التأمين المرتفعة، وتنامي الهواجس تحسبا من مواجهة عسكرية أكبر وأكثر تدميرا. وإزاء ذلك، فإن المخاوف من نشوب حرب قد دفع إلى بذل جهود دولية جادة الأمر الذي قد يقود إلى كبح جماح السياسات المتشددة التي يتبعها ترامب. بالإضافة إلى ذلك، فإن تلك المخاطر ربما تؤثر أيضا على حسابات واشنطن ولاسيما مع اقتراب حملة إعادة انتخاب الرئيس الذي دأب على مراقبة أسعار النفط عن كثب وطالما أعرب عن رؤيته المناهضة لتدخل عسكري أميركي آخر في الشرق الأوسط.‏‏

ولا ريب بأن احتجاز ستينا سبيرو أمر مسوغ لأنه جاء منسجما مع احتجاز غريس 1 وقد لاقى هذا الرد القوي على التنمر البريطاني استحسانا لدى الشعب الإيراني الذي يعيش في معاناة نتيجة الحصار الاقتصادي. وقد توجهت إيران إلى التخلي عن القيود التي فرضها عليها الاتفاق النووي، لكنها بذات الوقت تحرص على تجنب التصعيد أو الانهيار في العلاقات مع أوروبا، ومما يثير الإعجاب «الصبر الاستراتيجي» الذي دأب عليه القادة الإيرانيون الأمر الذي ظهر جليا خلال السنة الأولى لخروج ترامب من الصفقة.‏‏

تحتاج الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الدقة في حساباتهما، ولا شك بأن إقدام إيران على خلق العقبات أمام الشحن المدني سيفضي إلى نتائج سلبية لكن وصول جونسون إلى رئاسة بريطانيا وبحكم علاقته الجيدة مع ترامب أصبح بالإمكان اتباع نهج مشترك لأمن الخليج.‏‏

لذلك يتعين على رئيس الوزراء البريطاني الجديد العمل على تنشيط الدبلوماسية مع إيران، لكن يجب ألا يبالغ في توقعاته إذ لا ريب بأنه يتعذر عليه التوصل إلى اتفاق شامل جديد يلبي رغبات واشنطن. وفي مختلف الأحوال، فإن عملية التفاوض ستفتح نافذة أو نوافذ من الأمل لحل قضايا محددة مثل الحد من الصراع في الخليج وبناء الثقة بين دول المنطقة. بيد أن الحصار الذي تفرضه واشنطن على إيران سيكون له تداعياته المدمرة على سائر الأطراف التي لن ينجو أحد منها.‏‏

- The Guardian‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية