تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أصنام ومتاحف

معاً على الطريق
الثلاثاء31-5- 2016
خالد الأشهب

عندما قام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمنح ولي العهد السعودي محمد بن نايف وسام جوقة الشرف في آذار الماضي، ارتفعت أصوات منددة بمُتلقي الوسام في البيئة التي سادت بعد الهجوم.

ولكن رئيس الوزراء الفرنسي أكد أنه يجب على فرنسا أن تأخذ على عاتقها المحافظة على علاقاتها الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية. وبالتالي ، فمن أجل الحفاظ على مصالحها مع أكثر العملاء الذين يدرّون ربحاً كبيراً من تجارة الأسلحة، ومن أجل الحفاظ على عقود أخرى، يجب على فرنسا أن تمتنع عن انتقاد النظام السياسي السعودي، وروابطه الخطرة مع الإسلام الراديكالي. وغالباً ماً تتجاهل الحكومات الغربية وتتغاضى باستمرار عن مسؤولية المملكة العربية السعودية عن دعم الفكر السلفي، رغم أن المنطق يفرض على تلك الحكومات أن تضغط على الحكومة السعودية لتراجع نظامها التعليمي، وتقوم بتنقيته من شوائب الفكر السلفي، وتمنعه من تصدير عشرات الآلاف من الأئمة الراديكاليين كل عام إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك فرنسا، حيث يعملون على التبشير بكراهية «الكفار»!‏

هذا النص لـ فابريس بالونش، وهو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في «جامعة ليون الثانية» الفرنسية، ويعري فيه بوضوح نفاق السياسة الفرنسية في عهد فرانسوا هولاند الاشتراكي، التي.. وفي سبيل تحقيق جزء من مصالحها الجيوسياسية مع مملكة الظلم والظلام.. صفقات السلاح الكبيرة والاستثمارات السعودية وغير ذلك، فإنها على استعداد لتضرب عرض الحائط بكل المنظومات الأخلاقية والمناقبية التي اعتادت الثرثرة بها بمناسبة ومن غير مناسبة، بل بأبسط قواعد المنطق كما يقول بالونش.. المنطق الذي يفرض على الأقل الضغط على حكام هذه المملكة لوقف تصدير الفكر الإرهابي والإرهابيين إلى العالم!!‏

ومع أن الكاتب بالونش يعود ويعمم الموقف الفرنسي على مواقف معظم الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة، غير أنني لا أرى في هذا النص إدانة للفريق الحاكم في فرنسا وسياساته الملتوية والمتلوية فقط، بل للمنظومة الاجتماعية الاخلاقية السائدة في المجتمع الفرنسي والمجتمعات الغربية عامة بوصفها عقداً اجتماعياً، والتي سمحت للطبقة السياسية باختراقها وفتح ثقوب كثيرة في جدارها، وبما ينبغي أن يكون مفتاحاً لنقاش عام يجب أن ينطلق ويجيب جملة من الأسئلة حول عجز المنظومات الأخلاقية والثقافية السائدة في الحفاظ على عفافها، وحول جدوى الديمقراطية كنظام سياسي لتحقيق العدالة وحول أشياء كثيرة أخرى، أهمها العلاقة الملتبسة بين الرأسمالية في مرحلتها المتوحشة وبين جملة من مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة وغيرها؟‏

فأي معنى لجملة تلك القيم والمبادىء والمنطق.. إذا كان للمصالح الاقتصادية أن تدمرها بمثل هذه السهولة والخفة، التي يتعاطى بها ساسة الغرب اليوم مع قضايا الإرهاب والفكر الإرهابي بحجة تلك المصالح، وإذا كان لدول الغرب أن تسقط في حفرة الانحطاط الأخلاقي كلما لاحت مصلحة من بعيد، بل إذا كان لمجتمعات هذا الغرب أن تصمت كما سكان القبور.. وأن تتحول ثقافاتها ووسائل إعلامها إلى مجرد أصنام ومتاحف؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية