|
شؤون سياسية والمهم بالأمر أن مدار الرأي قد تفرع بين اتجاهات رئيسة ثلاثة، الأول هاجم أوباما معتبراً إياه النبي الكذاب، والثاني وجد أن خطاب أوباما يضع نتنياهو بين خيارين، تغيير حكومته، والسير مع أوباما، أو العكس، والثالث رأى أن الخطاب وصاحبه قد أحدثا انقلاباً استراتيجياً على إسرائيل أن تراعيه، فلم تعد إسرائيل - كما كانت في عهد دبليو بوش - مطلقة الحرية في العمل العسكري ضد الأطراف المعنية بالمنطقة كما تريد، وعلى حد تعبير الصحفي الصهيوني آلوف بن في هاآرتس أن على إسرائيل - في عهد أوباما - أن تتلقى تربية جديدة، وأن تجتاز امتحاناً جديداً كي تثبت وفاءها للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ومع أن نتنياهو حاول أن يهدئ من روع حكومته - بادئ الأمر - ليعلن أنه يرى في خطاب أوباما نصف الكأس الملآن وأن احتمالات أن يؤدي هذا الخطاب إلى مصالحة بين العالمين العربي والإسلامي، وبين إسرائيل ستكون منتظرة في مثل هذه الظروف التي تمر بها إسرائيل، ولكن ما تم التأكيد عليه لاحقاً من قبل حكومة نتنياهو المغرقة باليمين هو أن خيبة الأمل قد وقعت لدى نتنياهو طالما أن لغة الخطاب - كما أجمعت عليه الحكومة المذكورة - قد افتقرت إلى الدبلوماسية وأظهرت تشككاً بالمواقف الإسرائيلية، وما كرس خيبة أمل نتنياهو إبداء الرأي الصريح بوقف الاستيطان، والطريقة التي تم بها الحديث عن الملف النووي الإيراني، والإشارة إلى معاناة الفلسطينيين وعدم التطرق إلى الإرهاب الإسلامي. وقد اعبتر زفولون أورليف زعيم حزب البيت اليهودي مقارنة أوباما بين معاناة الفلسطينيين، وإبادة اليهود في أوروبا أنها صدمة، وإخلال بالتوازن القائم في العلاقات ما بين أميركا وإسرائيل، وقد قالت منظمة حاخامات إسرائيل إن من يمس أرض إسرائيل يعرض مستقبله إلى الخطر، فالدولة الفلسطينية، وتفكيك الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة يتعارضان مع الأمر الإلهي بأن أرض إسرائيل ملك لشعب إسرائيل فقط، ومحاولة المساس بأرض إسرائيل سوف تجلب الخراب، والكارثة لأميركا. ومع ذلك فقد وجدت أصوات صهيونية تقول كما قال إيتان هبار في يديعوت أحرنوت بأن الخلل في توازن العلاقات بين المنطقة وأميركا كان دوماً في صالح إسرائيل، فأميركا كانت دوماً معها، لكن بعد خطاب أوباما لابد من تقويم جديد للعلاقات بين الطرفين ويتوقع إيتان هبار أن لا تبقى علاقات حميمة كما كانت تمنح إسرائيل وزعماءها المكانة الوحيدة، والمميزة بين زعماء العالم، وأممه، وهذا يعني - والرأي له - أنه على إسرائيل أن تكون حذرة لأن أوباما قادر على المضي في إملاء اتفاق، وسيفرح به إسرائيلون كثيرون وقد توقع بن كسبيت في صحيفة يديعوت أحرنوت أن نتنياهو سيضطر إلى اتخاذ قرارات في الفترة القريبة حول ماإذا كان سيستمر في رفض مطلبي إدارة أوباما في رفض الاستيطان وتجميده والاعتراف بمبدأ الدولتين للشعبين حلاً لهذا الصراع. وإزاء كافة ما حدث داخل إسرائيل من سجالات تشير إلى ضرورات هامة في تغيير شكل العقل والتفكير لدى هؤلاء بحكومة العدو، ولا تحركهم سوى غرائز الحقد، والعنصرية، لكن شيئاً من هذا لم يكن وكل ما كان هو سقوط التوقع من جديد بأن هؤلاء يتغيرون فهم هم، عنصريون، مستكبرون، حتى على الدولة التي أخرجتهم من كل عقاب محتم للمجتمع الدولي ومازالت تعلن أن العلاقة مع إسرائيل لن تنكسر، وفي النهاية - كما توقع كسبيت في يديعوت أحرنوت- تحدث نتنياهو ليظهر الرأي الذي لا يمكن أن يتوقع أحد مدرك لطبيعة العنصرية أن يكون له رأي غيره. فالصورة الآن مكررة كثيراً وتفيد بأن الذين يحكمون في إسرائيل دوماً يظهرون بمظهر المعاكس لأي تحول تاريخي فهم ليس لهم تاريخ، ولا يعتبرون سوى ما يرسمون لأنفسهم من تاريخ فإذا كان اتجاه العصر لم يعد يقبل باحتلال أراضي الغير بالقوة نراهم يصرون على استمرار احتلالهم وإذا كان العصر ينحو نحو الحلول السلمية نراهم ينفخون بنار الحرب ولا تأخذهم شيمة إنسانية، وإذا كانت تحولات استراتيجية قد حصلت - حتى مع حلفائهم - بالنظر لسيرورة جديدة في عالم السياسية الدولية نراهم يقفون بوجه حلفائهم متغطرسين ولا أدل على هذا من خطاب نتنياهو الأخير الذي تباهى فيه - كعادته - بنزع ورقة التوت الأخيرة ليبدو عارياً، معاكساً، عنصرياً، لا احترام لديه لأي منطق في العصر أو لأي قيمة من قيم التجاوب العقلاني، أو الحضاري على أقل تقدير. فعلى الرغم من إعلان الإدارة الأميركية عن الحلول المزمعة، واختيار جورج ميتشل ليكون مبعوث السلام وعلى الرغم من تطمين الأوروبيين بالحرص على أمن إسرائيل، وزيادة عليه المبادرة العربية للسلام، وأخيراً نتائج حربين خاسرتين شنتهما إسرائيل ولم تتخلص من عقابيلهما حتى هذه اللحظة باعتبار أن القانون الدولي الإنساني يلاحقها، على الرغم من كل هذا يخرج نتنياهو على العالم - من جديد - ليؤكد رفضه للدولة الفلسطينية المكتملة السيادة والاستقلال ورفضه لوقف الاستيطان ورفضه لعودة اللاجئين، وإصراره على ضم القدس وفرضها عاصمة لإسرائيل كأن أي تاريخ لمفاوضات قد حدثت بين إسرائيل - كيان العنصرية - والعرب لم يحصل، ولم يتفق على شيء حتى حينه وهذا ما كان قد أشار إليه باراك وزير الحرب لنتنياهو - وهو يقبل التحالف في تشكيل الوزارة - بأن يحترم نتنياهو ما كانت الحكومات الإسرائيلية السابقة قد التزمت به، هذا هو نتنياهو الآن يكرر على مسامع من لم يسمعوا شروطه التي يراها للحل الذي يراه، وخاصة بفرض يهودية الدولة، وما سيتتبعه من تهجير لعرب 48. وحين تواصل عقلية الاستيطان والتهجير، وضم الأراضي بالقوة، ومعاملة المدنيين تحت الاحتلال بأبشع صورها، ورفض التوجه الأميركي، والدولي للحل العادل والشامل فماذا سيكون عليه رد الفعل الأميركي وميتشل لم يزل في بداية الطريق؟ إن الأسئلة كثيرة منذ أن أصبح نتنياهو على رأس الحكومة العنصرية لكنها الآن زادت كثيراً بعد هذه الوقاحة السياسية في أعقاب زيارة أوباما للمنطقة، وقيام ميتشل بالزيارة الثانية، وبناء عليه هل يجوز أن نتوجه لأميركا وحسب حتى ترى العنصري الذي تدعمه، ولم تنزعج كثيراً من آرائه؟ أم نتوجه لبعض الأصوات الأوروبية التي اعتبرت قبول نتنياهو المبتور بحل الدولتين خطوة هامة على طريق الحل؟ أم نتوجه إلى أمتنا لنقول لها: ماذا بعد هذا؟ وهل يمكن أن يتوقع، أو يراهن، أو يستأنس بممكن غير هذا المستحيل الصهيوني؟! الضرورات دوماً كانت تتيح المحظورات، والالتواء الصهيوني لم يعد ينطلي على أحد، تعالوا إلى مؤتمر يرد على نتنياهو بأن الأرض والتاريخ والإنسان والزمان لنا ونحن أصحاب الكلمة الأخيرة في هذا كله. |
|