تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوباما ..لايقول جملة يمكن تذكرها

نيويورك تايمز
ترجمة
الخميس 18-6-2009م
ترجمة: ريما الرفاعي

الرئيس باراك أوباما قد يكون أعظم خطبائنا، لكنه بصراحة لايقول جملة واحدة يمكن تذكرها.

لقدراجعت خطابات أوباما أثناء سباق الانتخابات الرئاسية في فيلادلفيا، وخلال التنصيب والخطاب الذي ألقاه في شهر نيسان الماضي أمام البرلمان التركي، وخطابه الذي استغرق 55 دقيقة في جامعة القاهرة ورغم أنها جميعها خطب عظيمة، لكنني لم اعثر على موقف مؤثر في هذه الخطب، ويمكن اختصار ذلك في العبارة اللاتينية: (الكل في واحد) التي جرى استخدامها في العديد من خطبه منذ مؤتمر الحزب الديمقراطي لعام 2004 وحتى خطاب القاهرة الأخير.‏

هذه هي طريقة أوباما التي تختزل قصته الخاصة ثنائية العرق ومتعددة القارات والثقافات والديانات من أجل الروح التي يأمل نشرها في العالم.‏

وتتمثل هذه الصيغة على النحو التالي: أنتم أيها الأمريكيون والأفارقة والمسلمون والإيرانيون والفلسطينيون لكم تاريخكم ومعاناتكم وشكاويكم وآمالكم. وأنتم أيها البيض والمسيحيون و الإسرائيليون لديكم ماضيكم وآلامكم وطموحاتكم المختلفة ، لذلك دعونا نرى هذه الاختلافات بطريقة واضحة ولنطرحها على الطاولة كي ندرك إنسانيتنا المشتركة ونتجاوز حالة انعدام الثقة بيننا، ونبني تحالفات على أساس من المصالح المشتركة، ونرتفع فوق الجراح عبر تقديم آمال المستقبل على آلام الماضي.‏

وما يمنع هذه الرسالة من أن تعتبر مجرد لغو فارغ هو تبني أوباما نفسه هذه القيم خلال حياته غير العادية، وشجاعته الفكرية الكبيرة وموهبة التعاطف مع الآخرين التي يتمتع بها وكان خطاب القاهرة فكرة شجاعة جرى تنفيذها بطريقة محسوبة جداً ولاشك في أن الخطاب ساهم بدفع استراتيجية تقارب الولايات المتحدة مع الإسلام والتي تستهدف عزل «المتطرفين» (الذين لم يعد يطلق عليهم إرهابيون) كما أنه أعاد التوازن إلى الدبلوماسية الأمريكية بالنسبة للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني من خلال الحديث عن الوضع غير المحتمل الذي يعيشه الفلسطينيون.‏

لقد عبر الخطاب عن إدراك أكبر للحقائق على الأرض في الشرق الأوسط عندما ترك الباب موارباً قليلاً باتجاه حركة حماس، ولم يطلق عليها منظمة إرهابية ودعاها للعمل على توحيد الصف الفلسطيني والاعتراف بإسرائيل، كما أعاد الخطاب توصيف الولايات المتحدة باعتبارها الدولة التي تستمع للآخرين وليست تلك التي تفرض إرادتها عليهم ووجه الدعوة إلى إيران لفتح صفحة جديدة ودعا الشباب المقهور في المنطقة إلى الاستفادة من فرص التعليم باعتباره السبيل الوحيد لمنحهم حياة ومستقبلاً أفضل كما اتسم خطاب أوباما في جزئه الختامي بقائمة من الموضوعات، وهو مايعكس حرصه على تناول الآراء والقضايا كافة.‏

قال لي تيودور سورنسون، كاتب خطب جون كيندي إنه أدرك أن أوباما لديه قدرة لافتة على التعبير عن مبادئ قوية وجديرة بالتذكر وأن خطاب القاهرة استطاع اجتياز طريقه عبر حقول من الألغام. لكن سورنسون لاحظ وجود بعض الجمل والفقرات المعقدة إلى حد ما بالنسبة للمستمع العادي وبدا الأمر كما لو أنه يتحدث إلى أساتذة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو مجلس أمناء جامعة هارفارد أو ادارة التحرير في جريدة نيويورك تايمز.‏

إن عبارات الرؤساء العظيمة عادة ماتأتي في كلمات قليلة ومن الجمل الخالدة لجون كيندي: لاتسأل ماالذي تستطيع أن يقدمه لك بلدك، بل اسأل ما الذي تستطيع أنت أن تقدمه لبلدك؟ وقال فرانكلين روزفلت: عندما تصل إلى نهاية حبلك، اربط عقدة وتشبث بها، وقال رولاند ريغان: اهدم هذا الجدار ياسيد غور باتشوف وقال كلينتون: ليس هناك عيب في أمريكا لايمكن علاجه بما يصلح لأمريكا.‏

لكن أوباما لم يمتلك هذه القدرة بعد وأعتقد أن هناك سببين لذلك، فكون المرء ينتمي إلى كل مكان أي عندما يحظى بقوة على المسرح العالمي أياً كان موقعه فإن ذلك يحرمه من امتلاك اللغة الفعالة والقوية، ويقول بن رودس كبير كتاب خطب أوباما في مجال السياسة الخارجية إنه بالرغم من حب الشباب للمبادىء الحالمة فإنهم يفتقرون إلى الخبرة التي تمكنهم من تحريك العواطف.‏

بوجود اليوتوب باتت المقاطع الصوتية هي التي تحكم توجيه الرسائل السياسية، ويمكن للإسهاب أن يأتي بنتيجة لكن الأمرالواضح أن افتقار أسلوب أوباما في الخطابة إلى الجمل الإخبارية القصيرة الصريحة يجب تعويضه بمقابله الدبلوماسي أي الضربة العملية الخاطفة التي لا ترحم.‏

لن يثمر هذه الأساس البلاغي الذي أرساه أوباما حول إيران وإسرائيل والفلسطينيين والعالم الإسلامي ما لم تقترن المبادىء السامية بالدهاء والمناورة ويجب عليه النزول من المنصة إلى السوق الشعبية إذا كان يريد الرجوع إلى بلاده محملاً بالبضائع.‏

ويجب أن نتذكر أن الوسطية التي يحبها أوباما هي أقل فاعلية في الشرق الأوسط، وكما لاحظ كاتبنا العظيم أبدايك عام 1966 فإن الوسط هو الساحة التي تتصارع فيها الأضداد، أو كما كتب بعد ذلك بـ40 عاماً في رواية الإرهابي فإن التاريخ آلة تطحن البشر دوماً فيتحولون إلى تراب، إن آمالنا ليست بمنأى عن ذلك بكل تأكيد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية