|
ساخرة وكان علاقته بهم تختلف بين خليفة وآخر، وقد عاش خمساً وثمانين سنة (779 - 864م)، وكان من الشعراء القلائل الذين غنى المطربون من أبياتهم في المجالس. ومن الأبيات الجميلة التي لحنت من شعر الحسين وتغنى بها المغنون، هذه التي قالها يهنئ الواثق بالخلافة: أكاتم وجدي فما ينكتم بمن لو شكوت إليه رحم وإني على حسن ظني به لأحذر إن بحت أن يحتشم ولي عند لحظته روعة تحقق ما ظنه المتهم وقد علم الناس أني له محب وأحسبه قد علم وإني لمغض على لوعة من الشوق في كبدي تضطرم عشية ودعت عن مقلة سفوح وزفرة قلب سدم فما كان عند النوى مسعد سوى العين تمزج دمعاً بدم سيذكر من بان أوطانه ويبكي المقيمين من لم يقم(1) من جيد شعره الغنائي كأني إذا فارقت شخصك ساعة لفقدك بين العالمين غريب وقد رمت أسباب السلو فخانني ضمير عليه من هواك رقيب فمالي إلى ما تشتهين مسارع وفعلك مما لا أحب قريب أغرك صفحي عن ذنوب كثيرة وغضي على أشياء منك تريب كأن لم يكن في الناس قبلي متيم ولم يك في الدنيا سواك حبيب إلى الله أشكو إذ ذكرت فلم يكن لشكواي من عطف الحبيب نصيب من شعر الحسين المرتجل ومن أشعاره المغناة أبيات ارتجلها في جلسة مع الأمير صالح بن الرشيد، فقد عني يوماً بهذا الصوت: أأن زم أجمال وفارق جيرة وصاح غراب البين أنت حزين؟ قال صالح مخاطباً الحسين: قل أنت في هذا المعنى شيئاً! فقال: أأن دب حساد ومل حبيب وأورق عود الهجر أنت جنيب ليبلغ بنا هجر الحبيب مرامه هل الحب إلا عبرة ونحيب كأنك لم تسمع بفرقة ألفة وغيبة وصل لا تراه يؤوب(2) تبدلت حياة الحسين رأساً على عقب بعد وفاة المأمون وتولي أخيه المعتصم. حكاية الحسين .. مع المعتصم وقد بدأت حكايته مع الخليفة الجديد، بسؤال عن الشاعر، فقيل له: إنه مقيم في البصرة بعد أن انحدر إليها أيام المأمون، فأمر المعتصم أن يكتب إلى الحسين، كي يجيء، فأتى.. ولكنه كان متأبطاً قصيدة مطولة كتبها في مديح المعتصم، هو الذي لم تؤثر عنه كتابة القصائد الطويلة، لقد أشعل شاعريته سؤال المعتصم عنه، وأعاد إليه الثقة بنفسه، وعبر عن ذلك جميعاً، وعن شكرانه هذه اللفتة الجميلة من الخليفة، في الأبيات التي ألقاها بين يدي الخليفة بعد أن أذن له بإنشادها: مآثر المعتصم في السلم والحرب هلا رحمت تلدد المشتاق ومننت قبل فراقه بتلاق إن الرقيب ليستريب تنفس الصعدا إليك وظاهر الإقلاق ولئن أربت لقد نظرت بمقلة عبرى عليك سخية الآماق نفسي الفداء لخائف مترقب جعل الوداع إشارة بعناق إذ لا جواب لمفعم متحير إلا الدموع تصان بالإطراق والقصيدة، كما ذكر، طويلة يهنئ فيها الحسين المعتصم، ويعدد مآثره في السلم والحرب: فحمى رعيته ودافع دونها وأجار مملقها من الإملاق وحين فرغ الحسين من إلقائها، قال له المعتصم: - ادن مني..(3) الهوامش: (1) نديم الخلفاء - تأليف: عبد الستار فراج - سلسلة اقرأ - القاهرة 1952 - ص29. (2) المصدر نفسه - ص43. (3) المصدر السابق - ص81. |
|