تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أحمد عكيدي..جهود متميزة في توثيق الشعر الضاحك

ثقافة
الخميس 18-6-2009م
حاوره: هاني الخير

أثمرت جهود الباحث أحمد عكيدي وما يكتنزه في نفسه من ومضات الإبداع وما هو عليه من كفاءة ثقافية وذائقة شعرية سليمة

ومهنية فنية وإخلاص في عمله بعيداً عن دائرة الضوء الباهر الذي يعقبه أفياء الظل الشاحب، أثمرت هذه الجهود الطيبة المباركة عن إصدار كتابه الممتع الشائق الذي حمل اسم «صور فكاهية من الأشعار الحموية» وهو الأول من نوعه في المكتبة السورية على حد علمي ويقع في /295/ صفحة من القطع الكبير.‏

وقد حظي الكتاب ربما تحت إغراء العنوان باهتمام القراء فنفدت نسخه خلال مدة وجيزة، ما دفع بالمؤلف إلى السعي لإصداره في طبعة ثانية ستكون قريباً في متناول القراء الذين يروق لهم الصور الفكاهية الشعرية، مع التنويه أن فن الشعر الساخر يعد من أسمى فنون الشعر على الاطلاق فهو يحتاج إلى سرعة بديهة ورؤية شاملة ودقة ملاحظة وحسن التقاط لما يدور حولنا من أحداث وسلوكيات خارج المألوف.‏

وبهذه المناسبة كان لنا اللقاء التالي مع الباحث الدؤوب أحمد عكيدي الذي يشغل أيضاً مدير الطباعة في الهيئة العامة السورية للكتاب وقد سبق له أن حقق ديوان الشاعر الأمير «أبو فراس الحمداني» الصادر ضمن منشورات وزارة الثقافة:‏

 هل جاء كتابكم كتتمة لكتاب «النكت الحمصية حرب الإيديولوجيا الفكاهية» لمؤلفه الباحث جورج ممدوح كدر؟.‏

  للأسف الشديد لم أقرأ ما أشرت إليه أثناء إعدادي لموضوعات وفصول كتابي، لكن أستطيع القول إن حمص جارة حماة على الخارطة الجغرافية وقد تتداخل الأمور في بعض الأحيان، ولا سيما أن مرور العاصي بمدينتي حمص وحماة جعل من المدينتين جسداً واحداً.‏

 كيف ولدت فكرة كتاب صور فكاهية في الأشعار الحموية؟.‏

  لعل الفكرة جاءت من التباين الذي يدركه الباحث بعد اطلاعه على سر الدعابة التي يمتلكها الحمويون بالوقت الذي تبدو على ملامح وجوههم الجدية والوقار إذ تأتي الابتسامة، فالضحكة من تلك المفارقة بين الصورة التي ترتسم في ذهن الناظر وبين الانزياح إلى تضادها في الوقت نفسه بين جدية ظاهرة مغلفة بتجهم وصرامة إلى موقف هزلي تحدثه كلمات صاحبها غير المتوقعة، راسماً بذلك «كركتراً» مناقضاً لذاك التجهم والصلف ليضعك في صميم المفاجأة التي تأخذك بين الابتسامة العريضة والضحكات المجلجلة.‏

ذاك المزاج للشخصية الحموية تتوالد مع الحمويين وتعيش في مجالسهم ومنتدياتهم الاجتماعية والثقافية، هذه الظاهرة الجميلة تلمستها وتربيت عليها منذ الطفولة، فحاولت في كتابي أن أتتبعها وأدرسها حيث يشارك فيها المجتمع الحموي بمختلف شرائحه وغدت شيئاً من تراثه عبّر عنها الأدب بمختلف أجناسه ولا سيما الشعر منه.‏

 من أبرز أعلام الفكاهة في بدايات القرن الفائت؟.‏

  لقد شهدت حماة ضروباً من الفكاهة والفكاهيين.‏

فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر «أبو حشيشة» أحد مهرجي حماة الذي كان يرتدي ألبسة مهلهلة وقبعة مخروطية الشكل ذات مرايا صغيرة وأجراس في جوانبها حيث كان يخرج بالمناسبات يؤدي أدواراً ساخرة تضحك الناس وعلى شاكلته كان «فلوس» مصطفى جانودي «أبو حمدو» ذاك الرجل الجوّال الذي يضفي على المجالس الفرح والدهشة بأدائه واصطناعه للمؤثرات الصوتية إذ كان يقلد بصوته مشية الجند وصوت القطار كما كان يحاكي بصوته الآلات الموسيقية المتنوعة الذي قال فيه الفنان المصري بشارة واكيم الذي أعجب بموهبته: «لو قدر لهذا الفنان «فلوس» وتهيأ له ما تهيأ لغيره لكان له شأن غير هذا الشأن».‏

ومن الشخصيات الفلكلورية الحموية نذكر أيضاً الشيخ علي الجابي الملقب «بأبي خنجر» الذي كان يعد من ملوك الفكاهة الذين تحلو المجالس بطرفهم ودعاباتهم وأقوالهم.‏

 ماذا عن الشعر الضاحك المعاصر؟.‏

  لم يغب الشعراء الحمويون عن المصانعة في الفكاهة وبعث الابتسامة فيها شعراً عبر معارضاتهم وأخوانياتهم ومجالسهم الخاصة والعامة فكانت الفكاهة في طبعهم تخفف من المعاناة وتكشف عن مكامن الخلل الاجتماعي والإداري وتبرز العديد من الأمراض الاجتماعية والظواهر السلبية.‏

لنستمع إلى الشاعر سعيد قندقجي وهو يحدثنا كيف يتحول الغزل على لسان أحد المعلمين:‏

أهواك مثل زيادة في راتبي‏

أهواك كالعطل التي تتبسم‏

وجه كجيبي في النظافة ناصع‏

أبداً وشعر مثل عمري مظلم‏

وتضمن الكتاب مختارات شعرية لأبرز هؤلاء الشعراء وأذكر منهم: رضا رجب والطبيب وجيه البارودي ومحمد عدنان قيطاز وعلي دمر وحمود الزبرؤتي ووليد قنباز ومصطفى صمودي ومنذر شيحاوي الذي يصور حالة طفر بأسلوب طريف واقعي:‏

أيها السائل عن أحوال حالي‏

كيف أصبحت على مر الليالي‏

لا تسلني: فحياة المرء صارت‏

كحذاء بات من غير نعال‏

أيها السائل ما نفع التشاكي‏

في زمان كل شيء فيه غال‏

ففطوري مثلما عانيت شاي‏

وغذائي مثلما تدري مقالي‏

 ما مصادر ومراجع كتابكم؟.‏

  هي متعددة وكثيرة تتبعت فيها النوادر والطرائف المأخوذة من عيون التراث العربي وهي موزعة في كثير من الموسوعات التي تعنى بهذا اللون الأدبي كما عدت إلى دواوين ومؤلفات الشعراء الذين تناولهم البحث كما اعتمدت على الرسائل التي يحتفظ بها من كان منهم على قيد الحياة ولم تنشر في كتبهم ولقاءات شخصية مع بعض هؤلاء الشعراء فضلاً عن كتب التفسير والنقد والتاريخ التي أفادت الكتاب وأغنته.‏

 هل تحدثنا بإيجاز حول تجربتك الشعرية؟.‏

  لدي مجموعة شعرية في طريقها إلى الطباعة بعنوان «براعم العشرين» وتلك العلاقة بدأت مبكرة في المرحلة الثانوية تذوقاً ونظماً تفرضها الحالة الوجدانية والحدث المؤثر اللذان يشكلان الشرارة الأولى في انفجار القصيدة ولملمة شظاياها على الورق لتكون أزاهير ولهفة واندهاشاً أو تكون أحاسيس يقطرها الشعور دفئاً وناراً ونوراً.‏

لا أدري متى تكون وكيف إلا أنها تكتسي لونها وشكلها وصخبها وهويتها، فالقصيدة عندي تفرض ماهيتها التي لا تتخطى الوزن تفعيلة كان أم على بحور الخليل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية