تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نظمية أكراد.. والنفس القصصي الطويل

ثقافة
الخميس 18-6-2009م
د. موفق أبو طوق

تتمسك السيدة نظمية أكراد بالنفس الطويل في تعاملها مع القصة الطفلية، وهي تتوسع في أحداث ووقائع لها بداية

ولايكاد يكون لها نهاية! وتتوغل في شروحات وتفاصيل غير مملة، ماضيةً خطوةً خطوةً مع الحدث الذي تدور حوله قصتها الطويلة التي هي أقرب إلى الرواية، وهي تتوجه في أغلب قصصها إلى الناشئة الذين يحبون المغامرة، ويعشقون المجازفة، ولاتسبب الأحداث المطولة لهم مللاً يدعوهم إلى العزوف عن المطالعة، بل العكس تماماً، إذ إن عنصر الإدهاش، والعامل الغرائبي، سببان رئيسيان يدفعان إلى المزيد من المتابعة، لمعرفة النهاية التي تصب عندها وقائع القصة.‏

النفس الطويل لدى السيدة نظمية أكراد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسمات بارزة تميز النص الإبداعي الذي يخطه قلمها، وهذه السمات متشعبة ومتنوعة، ولكنها تتكرر في أغلب قصصها، ويمكن للقارىء النبيه أن يلمسها لمس اليد، عبر اطلاعه على المجموعات القصصية التي أصدرتها الأديبة المذكورة، والتي تحتضن مضامين طفلية متنوعة لها النفس نفسه، والنهج نفسه والتوجه نفسه.. ويمكن إجمال تلك السمات على النحو التالي:‏

أولاً- الخيال المجنح: يختلط الواقع مع الخيال في قصص تنمي الخيال المجنح، وتدفع صاحبه إلى أن يحلق في فضاءات متنوعة.‏

ثانياً- خصائص الحيوان: وندخل مع الكاتبة عالم الحيوان والطبيعة، عبر (أنسنة) هادفة تظهر الخصائص الحقيقية لتلك الكائنات، التي تغاير في طبيعتها الإنسان، فالنمر الشجاع له صفات الشجاعة والجرأة والإقدام، وهو يبحث عن فريسته هنا وهناك، ولديه القدرة الفائقة على صيدها وافتراسها، وعنده الجرأة الكافية على مواجهة كائنات أخرى لها صفات وميزات أخرى، وقدرات تماثل قدراته.. والعصفور الحر يهرب من ملك جائر، يريد الاحتفاظ به ضمن قفص ذهبي، فالذهب في نظر العصفور لايمكن أن يستبدل بالحرية الواسعة، والقفص الضيق لايمكن أن يحل مكان الفضاء الفسيح..أما الشجرة فهي راسخة في مكانها، تحتضن الطيور والعصافير التي بنت أعشاشاً فوق أغصانها، وهي عرضة لتبدلات الطقس والتغيرات الطبيعية التي تصاحب الفصول الأربعة، فالربيع معتدل، والصيف حار، والخريف متبدل، والشتاء بارد.. والعقرب لايمكن أن تتخلص من صفات الغدر والخيانة، وهي عندما تتاح لها الفرصة المناسبة تعود إلى طبيعتها المؤذية، وتلدغ من حولها من دون شفقة أو رحمة!.‏

ثالثاً- القيم التربوية: في كل قصة هدف تربوي، يدعو القارىء الصغير إلى التمسك بأهدابه، والتعلق بحيثياته، بل يوضح السلوكيات الحسنة التي على الناس جميعاً أن يعتمدوها مع الآخرين، فالنمر الشجاع يتحدث بأسلوب مهذب مع كائنات يلتقيها أثناء مسيرته الطويلة (قصة: النمر الشجاع)، والطفلة نسمة المدللة عليها أن تعارك الحياة، وأن تكتشف الوسائل التي تنمي مقدرتها الجسدية، وتقوي أساليب عملها المنزلي (قصة: نسمة)، والحرية الحقيقية لاتباع بأغلى الأثمان، لأنها في الواقع لاتعوض (قصة: الملك والعصفور)، والوطن يحتاج إلى بذل وعطاء، وتضحية بالنفس والنفيس (قصة: السمكة سلطانة)، وأي كائن لافائدة منه، مالم يقدم خيرة ما ميزه الله به إلى الآخرين (قصة: الشجرة وأسرة العصافير)، والصبر على الشدائد، والإصرار على تحقيق الهدف، أمران مطلوبان كي يعيش الإنسان سيد نفسه (قصة: مدينة الحمائم) والعدل أساس الملك، وعلى الحاكم أن يكون محباً لشعبه، قادراً على إسعاده (قصة: بلاد المحبة).‏

رابعاً- خلاصة التجارب: في القصص حوارات مطولة تتم بين الشخصيات القصصية، تقدم فيها كل شخصية خلاصة تجربتها في الحياة، والحكمة التي تسير على هداها عبر هذا الزمن، فالأميرة الصغيرة تقول لأمها: (أنا صغيرة، ولكن من أجل والدي سأكون قوية شديدة، سأقوم بهذه المهمة مهما تكن شاقة يا أمي- قصة عشب الحياة)، والرجل الأشيب يقول للمغامر الشاب: (يابني لا تحمل الأمس فوق ظهرك، إنه ثقيل عليك، خذ منه ما ينفعك، خذ العبرة، تعلم من التجارب.‏

خامساً- الإسقاطات السياسية: في القصص إسقاطات سياسية مبسطة، على الأطفال أن يعوها جيداً، فهي تشير إلى وضع متأزم يعيشونه هم، أو يعيشه أشقاؤهم العرب الذين يرزحون تحت نير المستعمر، فالأرانب البيضاء لاتستقوي على عدو بعدو آخر أشرس منه، بل تستقوي بأبناء جلدتها الأرانب الرمادية، فالظالم لايمحو ظلم الآخرين، بل يستبدل به ظلماً آخر أشد ضراوة (قصة: الأرانب تستقوي بالثعالب)، والتقليد الأعمى للعدو، والتشبه به، والتقرب منه، والاستفادة من مساعداته التي يحقق من ورائها مآرب سياسية ومكاسب عسكرية.. كل ذلك لايعود على المجتمع بفائدة تذكر، بل يعود على المجتمع بوبال شديد (قصة: الثعالب في مملكة الأرانب)، وسيف الدفاع عن الحق، لابد أن يكون في حجم القضية وعدالتها، ولابد أن يكون من صنع الشعب نفسه، فهو صاحب الأرض والحق، وهوأولى من غيره بالدفاع عنهما والذود عن حماهما(قصة: السمكة سلطانة).‏

سادساً- النفحات الإيمانية: وفي القصص نفحات إيمانية، تبدو عبر جملة عابرة، أو تعليق موجز، أو وجهة نظر إزاء قضية ما، فالموت من عند الخالق، القادر على كل شيء (قصة: النمر الشجاع)، السماء لاتمطر ذهباً ولافضة، وبعملي رزقني الله (قصة: مدينة الحمائم)، أتمنى من الله أن يستجيب لك ويرزقك البصيرة والأمل، والتمس العزاء بالإيمان (قصة: احذر الحية)، لا، لا أظن ذلك، إنه قانع راض بما أعطاه الله، وأظن جلالة الملك يعاني من مرض شديد كان الله في عونه وعونك (قصة: عشب الحياة).‏

سابعاً- تجديد التراث: قد حذت الكاتبة في الكثير من قصصها حذو الرواد الأوائل، من كتاب القصة العربية الطفلية.‏

ثامناً- مواكبة الأدب العالمي: عندما قرأت قصة (السمكة سلطانة) واطلعت على الدور الذي نيط ببطل القصة، الشاب الذي يقوم بجولة في مدينة الأشباح، التي مر بها أثناء رحلة طويلة شاقة تستهدف الوصول إلى السمكة سلطانة، والمدينة تحتضن أناساً توقفت حركاتهم، وتجمدت نظراتهم، فهم تماثيل صامتة أو أشبه بالتماثيل.. تذكرت فوراً قصة (عندما يتوقف الزمن) للأديب العالمي (فاركوستاتين)، الذي ربط توقف الزمن بعطل طرأ على الحاسوب الكبير، عندما لم يستطع الإجابة عن سؤال علمي هام، فتحطم من جراء ذلك..‏

وبعد.. فهذه لمحات سريعة، تشير إلى ملامح القصة الطفلية لدى الكاتبة السيدة نظمية أكراد، التي استطاعت برشاقة عباراتها وسلاسة أساليبها وغرائب مواضيعها أن تجذب القارىء الصغير، وتدفعه إلى متابعة النصوص القصصية التي قدمتها ومازالت تقدمها له، النصوص التي زودت المكتبة العربية بمزيد من المعلومة، وبمزيد من التشويق، وبمزيد من الإبداع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية