تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ندوةحوارات في الرقابة.. أيّها نريد.. وهل لنا أن نختار؟!

ثقافة
الخميس 18-6-2009م
مها يوسف

رقابة الذات ورقابة السلطة ورقابة المجتمع، ثلاثة أنواع للرقابة فهل نستطيع أن نغلب رقابة الذات أم السلطة أم المجتمع؟

لكن النتيجة توحي أنه لابد من رقيب. أما حرية الكلمة متى تكون، وما مستواها ومسؤوليتها الذاتية قبل أن تكون مسؤولية حكومية، فالآراء مختلفة لكن الوجهة تكاد تكون واحدة ولا بد من حرية التعبير ولابد من ضوابط لهذه الحرية، فالحرية المطلقة ليست هي المطلوبة وكذلك الرقابة المطلقة ليست هي المطلوبة، والأمران متناقضان ولا بد من إيجاد صلة بينهما تكمن في تنمية الحس الثقافي والاجتماعي والإعداد المناسب للرقيب ووضع ضوابط للرقابة.‏

فالإعلام هو الموجه الأول وتكمن مسؤولية الكلمة المسؤولة في الإعلام، فبقدر ما يكون الإعلام مسؤولاً في كلمته يستطيع أن يلتقي بالحس الاجتماعي وبالثقافة المجتمعية وفي تنمية الرقيب الذاتي لدى كل مواطن حتى يصبح أقرب ما نكون بين الرقيب والمراقب.‏

نقاط عديدة ركزت عليهاالندوة التي اقيمت في مكتبة الأسد بعنوان «الرقابة بين حرية التعبير ومسؤولية الالتزام» والتي شارك فيها الأستاذ محمد عدنان سالم رئيس اتحاد الناشرين السوريين والأستاذ مصطفى المقداد نائب رئيس اتحاد الصحفيين،والأستاذ أحمد تيناوي كاتب وصحفي وأدار الندوة د. علي أبو زيد معاون وزير التعليم العالي.‏

ففي البداية تحدث الأستاذ محمد عدنان سالم عن موضوع مسؤولية الكلمة بين الالتزام والإلزام. ففي ظل رقابة المجتمع يتحمل صانعا الكلمة، المؤلف والناشر مسؤوليتها على مختلف الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية، ويستعدان لتلقي ردود الأفعال المتباينة حولها وتلك هي رقابة الذات، وفي ظل رقابة السلطة يرفع صانعا الكلمة مسؤوليتها عن عاتقهما ويلقيان بها على عاتق الرقيب، ويعفيان نفسيهما من تلقي ردود الأفعال، فتغيب رقابة الذات لتحل محلها ثقافة الإملاء، ورقابة المجتمع لاحقة تسمح للكتاب أن يختزل الوقت ويتابع التطورات والأحداث، أما رقابة السلطة سابقة، تضع الكتاب على قائمة الانتظار التي قد تذهب بألقه و جدواه عن صدوره. ورقابة تعددية تتناوله من وجهات نظر مختلفة بين متفق ومعارض يحتدم النقاش بينهما بقدر ما ينطوي عليه الكتاب من مفاجآت تخرج به الفكر السائد والمسلمات، ورقابة أحادية وصائية ذات بعد واحد لايثير جدلاً ولايحرك ساكناً، بالإضافة إلى رقابة المجتمع وهي المناخ الملائم لتعزيز القراءة بما تشيعه من ترقب وتفاعل وتشارك وحوار ونقد بين صانعي الكلمة ومتلقيها. وأضاف الأستاذ سالم إن الرقابة على المطبوعات في سورية لا تختلف عن نظيراتها في معظم بلدان الوطن العربي إلا في درجة التشدد الرقابي وزاوية النظر ولا يزال على الناشر في سورية حين يزمع نشر كتاب أن يعرضه قبل الطبع على مديرية في وزارة الإعلام وأن ينتظر رأيها الذي قد يتراوح بين السماح المطلق أو المشروط ببعض الحذف، وبين المنع الكلي ويستغرق انتظاره في المعدل المتوسط شهراً واحداً وقد يتعدى ذلك إلى بضعة أشهر. ويضيف الأستاذ عدنان سالم على الرغم من أن هذه الإجراءات الرقابية تعوق حركة النشر في عصر يتسارع فيه توليد الأفكار ونشرها وتفقد فيه بعض المطبوعات قيمتها العلمية أو مناسبتها السياسية أو الاجتماعية قبل أن تصل ليد القارئ فإن الناشر لا يزال يركن إليها ويألفها ويفضلها على حرية النشر التي قد تعرضه لتحمل مسؤوليته عن الكلمة سواء كانت سياسية أو دينية ولئن كان تذرعه بموافقة الرقابة المسبقة قد يخفف من مسؤوليته لكنه لن يعفيه منها خاصة إذا ارتدت العباءة الأمنية.‏

وخلص الأستاذ سالم بالقول: إن الالتزام الطوعي الذي توفره رقابة المجتمع أجدى على الثقافة وأكثر مصداقية من الالزام السلطوي الذي فقد جدواه ومعناه في عصر التفجر المعرفي الذي أحدثته ثورتا المعلومات والاتصالات فحطمت به كل السدود والقيود، أما الأستاذ مصطفى المقداد نائب رئيس اتحاد الصحفيين فقد أشار إلى أن حرية التعبير التي ينعم بها العالم حالياً لم تكن منّة من نظام سياسي على مدى التاريخ، إنما جاءت نتيجة نضال مستمر طالب بها دعاة الحرية سواء كانوا صحفيين أو ناشرين بمعنى أن المثقفين الذين حملوا همَّ الحرية عبئاً استطاعوا أن يحصلوا علىحقوقهم فحرية التعبير عملية تدريجية منذ بداية التاريخ. وذكر الأستاذ المقداد بعض الوقائع التاريخية والتي لا بد من ذكرها خلال الحديث عن حرية التعبير وانتزاع هذا الحق من أيدي السلطات منذ زمن، إذ إن حرية الرأي والتعبير هي الحافظ الأساس لحرية الصحافة، فأول وثيقة كانت عام 1215 في انكلترا عندما وقعت وثيقة العقد الأعظم والتي بدورها حددت حقوق الملك وأتباعه ورسمت حدود هذه السلطات وانعكاسها على حقوق المواطنين وفي عام 1688 صدرت لائحة الحقوق التي أرست مبدأ جديداً في حقوق التعبير، فقد منعت محاكمة عضو مجلس النواب البريطاني عن أن حديثاً يتفوه به خارج قبة البرلمان في وقت كان يعاقب أي شخص يتناول أي شأن يخص المملكة.‏

وفي فترة التنوير وبداية النهضة الأوروبية ظهرت الصحافة بشكل جدي وتجلت كسلطة حقيقية ومع الثورة الفرنسية عام 1798 ظهر أهم إعلان لحق التعبير عالميا عندما وضع أساس لقانون المواطنة الفرنسي واعتبر أن حرية التعبير هي من الحريات الأساسية للإنسان كحرية العمل والعيش وغيرها. وعندما قامت منظمة الأمم المتحدة حاولت أن تسوغ أسساً قانونية وأخلاقية مجتمعة في مبادئها ومرجعيتها، كما أثرت معاهدة إنشاء الأمم المتحدة في دساتير جميع الدول التي افترضت حرية التعبير شرطاً أساسياً لحقوق المواطنة وشملتها كل دساتير العالم، وفي أول اجتماع للجمعية العلمية للأمم المتحدة عام 1946 صدر قرار جاء فيه أن حرية المعلومات هي حق أساسي للإنسان وحجر الزاوية لجميع الحريات الأساسية التي تنادي بها الأمم المتحدة.‏

وفي عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة 19 أن لكل شخص الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل وتلقي الأفكار والأنباء دون تقيد بالحدود والجغرافيا، بالإضافة إلى إعلان اليونيسكو الذي يدعو إلى إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية. كما أن المادة 38 من الدستور السوري تنص على أن لكل مواطن الحق أن يعرب عن رأيه بالقول والكلمة بجميع وسائل التعبير وأن يسهم في النقد بما يخدم سلامة البناء الوطني والقومي وختم الأستاذ المقداد بالقول: إن الكلمة مسؤولية، لكن مصادرتها مسؤولية أكبر فلا يمكن الحديث عن حرية التعبير وننسى أنها ليست مجرد مساحة من القواعد القانونية والأخلاقية والسياسية، بمعنى أن حرية التعبير هي ممارسة وسلوك وروح تجمع بين الرغبة الدائمة في اكتشاف الآخر والطموح غير المحدود بتجاوز الذات، أما الكاتب والصحفي أحمد تيناوي فتحدث من خلال تجربته الشخصية عن معنى حرية التعبير، فهل هي تلك الأفكار التي أتت إلينا من الغرب؟ وهل نطبق قوانين الإعلام ، فهناك نسبية في هذه المعايير والمفاهيم، وهذه النسبية إذا استطعنا أن نخرج منها ضمن خصوصية مجتمعنا أستطيع القول: إن حرية التعبير هي مسؤولية كبيرة وليست نوعاً من الفوضى. وفيما يتعلق بالكتاب أعتقد أنه يمتلك مساحة أكبر للتعبير ومن خلال تجربتي لا أستطيع أن أفهم أن حرية التعبير ليست مسؤولية ولا أريد أن أمارس هذا الدور، هناك تفاصيل ومسارات كثيرة بعيداً عن العناوين والتنظير علينا أن نعي الفرق بين الحرية اللامسؤولة والحرية المسؤولة وأن نفرق بين الحرية وبين الفوضى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية