تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل يكون الحوار مدخلاً لانقاذ لبنان?!

شؤون سياسية
الثلاثاء 7/3/2006
سليم عبود

الحوار بين اللبنانيين في بعده الحضاري خطوة في الاتجاه الصحيح, لا أحد في لبنان

أو سورية يرى أن الحوار والتوافق والتصالح في غير مصلحته الوطنية والقومية, لأن تصالح اللبنانيين وتوافقهم يؤسس للبنان جديد قادر على النهوض وتجاوز أزماته, وبالتالي عودة لبنان إلى محيطه التاريخي والجغرافي وروابط القربى والدم والمصالح المشتركة التي تشده إلى سورية, فلبنان لا يمكنه العيش والاستمرار في وضع طبيعي من دون التوافق ومن دون الترابط مع محيطه وبخاصة مع سورية التي كانت وستظل بوابة لبنان إلى العالم العربي, وأكثر من ذلك ستظل الشقيق في كل أزمة وفي كل محنة تصيب لبنان.‏

إذا كان الحوار لدى بعض المتحاورين غاية, أي الحوار من أجل الحوار في استعراض سياسي, فالحوار لن يقدم, لابل سيؤخر وينتج أزمات وربما أزمات كثيرة إن كان حدوث الحوار يعتبر قفزة هامة في مجال تحطيم هذا التشنج الطاغي على الحياة السياسية في لبنان منذ اغتيال الرئيس الحريري, ومحاولة اولى للخروج من حالة العصبية المفتعلة لدى بعض الأطراف إلى التعقل والهدوء بعد أن أدرك الجميع طوال مسيرة الصخب والانفعال أن لا جدوى من الانفعال لأن ذلك سيقود الجميع في اتجاهات خطيرة تعيد إلى لبنان أزمنة الاقتتال الدامي في عام .1975‏

إن الذين قالوا لبنان أولا.. الحوار يمنحهم فرصة إن كانوا حقيقة يضعون مصلحة لبنان أن ينظموا علاقتهم بهذا الشعار بأسلوب واع, ينتج حالة من الهدوء تسمح للجميع وضع هذا الشعار في ساحته اللبنانية الواسعة, فالرئيس رفيق الحريري كان يدرك أن لبنان لا يستطيع أن يتطور ويأخذ بعده الوطني والقومي إلا بعلاقة مميزة مع سورية وبأن يكون على لبنان ما على العرب من عبء ومسؤولية قومية تجاه التحدي الصهيوني.‏

والحوار يطرح أسئلة هامة فهل يمكن أن يتجاوز المتحاورون مواقفهم المتشنجة, وهل يمكن أن يتحرر بعضهم من خلفياتهم وارتباطاتهم الخارجية وتأثيرات القوى الدولية عليهم?! وهل لدى هؤلاء النية الجادة لإخراج لبنان من أزماته الطارئة, وهل يدخلون إلى قاعة الحوار برؤوسهم اللبنانية وأفكارهم اللبنانية وأسئلتهم اللبنانية أم أن ثمة جهات كثيرة وقوى كثيرة تتمترس في رؤوسهم وهم حول الطاولة المستديرة? نتمنى أن يكون للجميع بعد واحد عن المركز فهل ياترى المسافة بين مركز الجدية في الحوار واحدة إذ لا غالب ولا مغلوب, ليكون لبنان المنتصر الوحيد, والمواطن اللبناني المستفيد?!‏

كان المخرج الحقيقي للبنان من أزماته الكثيرة والتي تزداد وتتسارع بوتائر عالية دائما مع زيارات المسؤولين الأميركيين إلى المنطقة والى بيروت, هو القبول بالمبادرة العربية, ولكن أطرافا لبنانية رفضت هذه المبادرة أو تحفظت عليها لحين, ثم جاءت مبادرة الرئيس بري للحوار, وبدا الحوار هو المخرج من أزمة راحت تضيق أبوابها على لبنان اقتصاديا وسياسيا وامنيا. ومعها راحت تتزايد التدخلات الخارجية وبخاصة الأميركية والفرنسية, وأدرك كثير من اللبنانيين أنهم يدخلون في مرحلة وصاية أجنبية أشبه بزمن الاستعمار الفرنسي حيث المندوب السامي يمسك بلبنان من كل الجوانب.. الدعوة للحوار جاءت في زمن صعب ولكنها الدعوة التي يمكنها أن تفك كل الخيوط المتشابكة.‏

إذا كان الحوار كما يبدو يحمل ورقة عمل مكونة من عدة بنود, فأمور كثيرة ستفرض نفسها على الحوار لأنها في جوهرها محور أي حوار, فلبنان يرتكز في علاقاته مع العروبة على التاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة والدم وهذا نقيض لبنان الذي يريد أن يحزه الآخرون بسكاكينهم لينفصل عن التاريخ والجغرافيا وليبدأ عملية تغيير دم, ولكن أي دم, واية زمرة دموية يريد بعض المتحاورين أن تكون زمرة لبنان الدموية الجديدة?!.‏

المواطنون اللبنانيون أتعبتهم تلك السجالات التي كان يتراشقها البعض, وأتعبتهم الاتهامات وتلك التحركات الضائعة التي تبعد اللبنانيين عن الحقيقة الضائعة من اغتال الحريري والتي تجهد أطراف دولية أن تبقيها ضائعة ليظل لأصابعها مكان لتنسج للبنان الرداء واللون والقياس, وبالرغم من ذلك يظل اللبنانيون محكومين بالأمل للخروج من الأزمة بالحوار, وبصحوة حقيقية تجعل كل الأطراف التي تجلس خلف طاولة الحوار مؤمنة بلبنان التاريخ .‏

ترى أوساط سياسية أن بعض الذين يجلسون حول طاولات الحوار يريدون إعادة بناء لبنان وفق رغباتهم وميولهم وارتباطاتهم, هناك من يرى فصل لبنان عن عروبته, لأن العروبة تضع لبنان في مواجهة اسرائيل والمخططات الغربية, ولأنهم في تفكيرهم وحراكهم السياسي نتاج هذه المخططات فلا يمكنهم الخروج منها والعودة ثانية إلى حالة الانتماء إلى هوية لبنان وانتمائه إلى محيطة التاريخي والجغرافي.‏

بعض الأطراف الأخرى التي تجلس خلف طاولة الحوار تريد أن تنطلق من ثوابت لبنان التاريخية والجغرافية وروابط الدم ومن إدراكها للخطر الحقيقي الذي تمثله اسرائيل على لبنان والعرب,وأن أي تجاهل لهذا الخطر هو هروب من الواقع القائم ومن الأزمة الرئيسة إلى الأزمات الفرعية التي يحرص بعضهم على أن تتحول إلى أزمات رئيسة والرئيسة الى فرعية.‏

ملفات الحوا رمتفق عليها. والحوار بحد ذاته يشكل وقفة صحيحة مع الذات اللبنانية ولكن لا أحد إلى ان يستطيع أن يتنبأ باتجاهات الحوار ونتائجه ,فهو الحوار الأول بعد مؤتمر الطائف الذي مازال يشكل مرتكزا لكل اللبنانيين.‏

عروبة لبنان حسمها مؤتمر الطائف, فهل المطلوب مناقشة ذلك ثانية?!‏

فارس سعيد وهو أحد أهم أقطاب قرنة شهوان وصاحب الادعاء بأنه وراء قانون محاسبة سورية في الكونغرس الأميركي مع آخرين, يقول على محطة أل بي سي.‏

إن الأمة اللبنانية يجب أن تعيد بناء نفسها ومرتكزاتها في هذا المؤتمر الحواري.. إن بهذا القول ( الأمة اللبنانية) يدعو لخروج الأفعى المختبئة من وكرها!.. الحوار سيطرح مستقبل العلاقات مع سورية.‏

في هذا الطرح تجاهل لمقررات الطائف التي تقول بالعلاقات المميزة مع سورية وبالرغم من ذلك فالعودة إلى مناقشة تلك العلاقة يجب أن تنطلق من إيمان ثابت بعلاقات الدم والتاريخ والأخوة والدم, فتجاهل عروبة لبنان مقدمة لتجاهل العلاقة الأخوية والتاريخية مع سورية, وإذا كانت العلاقة مع سورية ستقوم مستقبلا على مفهوم طرحه بعضهم بسوء نية تحت عنوان ( علاقات الجوار) في هذا الطرح قتل للحقائق وتجاوز للتاريخ والدم وتكون سورية على قدم المساواة مع اسرائيل التي تشكل بواقع الاحتلال الجار الجنوبي للأراضي اللبنانية وهذا وضع مرفوض ويأخذ لبنان باتجاه اتفاق أيار جديد.‏

قد يبتعد طرف ثالث باتجاه اعتبار سورية دولة عدوة كما قال في تظاهرة الرابع عشر من شباط للبحر من أمامكم والعدو من ورائكم ويقف على نفس الخط مع طرف رابع يجلس حول طاولة الحوار إذ يقول إن اسرائيل ليست عدوتي, وسورية هي عدوتي ويطالب الأميركيين باسقاط النظام في سورية وعلى مقربة من تلك الأطراف يدعم تيار المستقبل الذي يدعي منذ اللحظة الأولى لاغتيال رفيق الحريري أن الحقيقة تختبئ في اتجاه واحد هو سورية مع تجاهل الاتجاهات الأخرى والاحتمالات الأخرى, فهذا التيار يخلط الأوراق بعضها ببعض فهو من جهة يطالب بمعرفة الحقيقة ومن جهة يتهم سورية بأنها وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري, ويرفض إلى الآن أية مبادرة عربية لحل الأزمة القائمة بين لبنان وسورية مع الاستمرار في التحقيق وفي السعي لمعرفة الحقيقة لأن في ذلك مصلحة سورية كما مصلحة لبنانية, تضع لبنان خارج الفرضيات والاحتمالات والرغبات الخارجية والأصابع الخارجية التي تتحرك للاقتصاص من سورية لتصفية حسابات معها على مواقفها الوطنية والقومية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وتجاه الحرب على العراق ولأسباب تتعلق بمصالح بعض القوى الكبرى.‏

يبقى الأمل كبيرا بأن يخرج الحوار باتفاق يعيد لبنان إلى وضعه ويخلصه من كل هذا الصدأ الذي تراكم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية