تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نواقيس... موقفان وقضية واحدة

بغداد
الثلاثاء 7/3/2006
نزار السامرائي

في اللحظة التي ارتفع فيها عمود من اللهب والدخان عاليا في سماء مدينة هيروشيما توقع معظم المهتمين بالدراسات الاستراتيجية

والناشطون في المنظمات الانسانية ان الدمار الذي خلفته القنبلة الذرية الامريكية لابد ان يكون قد ترك صدمة انسانية داخل مراكز صنع القرار في امريكا نفسها مساوية لهول النتائج البشرية والمادية التي لحقت باليابان ذلك ان احدا لم يكن ليتوقع ان طوكيو ستصر على مواصلة حرب محسومة النتائج.‏

وبنى المراقبون حساباتهم على اساس ان السلاح الجديد والذي قلب حسابات القوة التقليدية يجب ان يطوى ملفه بعد ان ظهرت آثاره في ازالة معالم الحياة ويبقى مجرد سلاح ردع لموازنة الرعب وليس للاستخدام ولذا فقد نظر الجميع بما في ذلك الشعب الياباني بل وحتى كبار القادة العسكريين الامريكيين الى تصريحات الرئيس الامريكي حينذاك هاري ترومان بتوجيه ضربة مماثلة لليابان على انها من قبيل الضغط السياسي لكسر ارادة القتال لدى اليابانيين والتي كانت ما تزال تربك خطط الامريكيين وتسبب لهم هاجسا للقلق لاحتمال تكبيدها خسائر اخرى ان استمرت اليابان على خوض الحرب ولهذا فقد جاءت ضربة ناكازاكي ترفا فيه من الرغبة في الانتقام اكثر مما يحمل من ارادة لوقف الحرب ولربما يرتبط ذلك بجرح قديم فتحته اليابان في بيرل هاربر او محاولة لإفهام اليابان ان هناك خطا احمر على برامجها الاقتصادية في تسلق سلم المجد بسرعة قد يؤثر اذا ما تحقق على خطط الانتشار الامريكي في غرب اسيا فالمعركة تم حسمها في هيروشيما وتؤكد الوثائق الرسمية اليابانية ان الملك هيرو هيتو كان قد وافق على كل الشروط الامريكية للاستسلام حتى قبل اللحظة التي تحولت هيروشيما فيها الى قطعة بسكويت وسط الجحيم وحينما عرفت البشرية هول الدمار الناجم عن استخدام السلاح الذري فقد بات من المسلمات المعروفة في عالم اليوم ان هذا السلاح بات عنوانا للردع وخاصة في الازمات العالمية الكبرى خاصة وان الدول الكبرى كانت في سباق فيما بينها لتطوير اسلحتها ووسائل ايصالها الى ارض العدو وايجاد الدفاعات المتطورة لمنع الصواريخ المعادية من الوصول الى ارضها.‏

وتبعا لهذه المستجدات فقد تطورت وسائل كبح النزاعات غير المنضبطة لدى هذا الطرف او ذاك وهو ما تكرس باتفاقيات دولية جماعية كاتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية او اتفاقيات ثنائية غير ان اسرائيل كانت وحدها تسير في الاتجاه المضاد اذ انها كانت تعزز قدرتها النووية ومضت في طريقها هذا لا تلوي على شيء وبالمقابل فإنها كانت دائمة التحفز ضد اي مشروع نووي حتى اذا كان مخصصا للاغراض السلمية وكان ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 مثالا على الاستعداد المتحرك لها لمواجهة اي بادرة تنبئ عن وجود خطر.‏

وكانت امريكا توفر المظلة للبرنامج النووي الاسرائيلي وتوفر الدعم اذا اقتضى الامر لاي جهد اسرائيلي في التحرك المضاد لبوادر خطر مفترض ذلك ان اسرائيل تطرح بصفة دائمة فكرة انها لا تمتلك عمقا استراتيجيا ولهذا فإنها ستباد بالفعل مهما اثار ذلك من قلق ومخاوف.‏

وكان القلق العربي عاليا من القدرات النووية الاسرائيلية كحالة احترازية مطلوب التعامل على اساسها وليس على اساس فرض الامر الواقع بقوة الردع بعد ان فشلت قوة العدوان ولم تحاول الولايات المتحدة تقديم اية تطمينات او ضمانات حتى للدول العربية الحليفة لها من اخطار السلاح الذري الاسرائيلي بل ان امريكا كانت تشجع اسرائيل على ابتزاز العرب وتقدم لها الدعم وحينما طرح الملف النووي الايراني على بساط البحث القت امريكا بثقلها لاثارة قلق عربي من هذا البرنامج وكانت تقف ضد اي اثارة لامتلاك اسرائيل لاكثر من 200 رأس نووي.‏

صحيح ان امتلاك اية دولة اخرى للسلاح الذري في منطقة الشرق الاوسط يمكن ان يفتح بابا واسعا بسباق تسلح من طراز جديد وحينذاك ستتلاشى المخاوف السابقة من خطر الاسلحة الذرية اذ ان من يمتلك هذا السلاح مقابل اطراف لا تمتلكه فسوف ينهار التوازن الاستراتيجي في منطقة تشكل خزان العالم النفطي ولكن هذا لا ينبغي ان يأخذ ارجحية على الخطر الاسرائيلي المؤكد ويتم التركيز على خطر ايراني محتمل مع الاقرار بأن الالتزام الجماعي باتفاقية منع انتشار الاسلحة الذرية هو المدخل الصحيح لاستتباب الامن والاستقرار في العالم.‏

وفي خضم هذه الاجواء الساخنة بدأت رايس جولتها الشرق اوسطية وفيها حثت الدول العربية على عزل ايران اذا لم تذعن للضغوط الدولية بشأن برنامجها النووي ولم تحاول رايس ان تقايض الموقف العربي المطلوب بموقف امريكي بالضغط على اسرائيل لتقديم تنازلات من اجل تطبيق خارطة الطريق الامريكية فهل تريد امريكا ان تضع العرب في مواجهة ايران كخط دفاعي اول عن اسرائيل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية