|
شؤون سياسية ومهما استنفرت وسائل الإعلام, والجبروت الإعلامي كله, و الذي يحاول عبثاً تقديم مسرح العمليات عكس ذلك, فإن الجغرافية سيكون لها الرأي الفصل. هكذا كان الأمر مع روما العظيمة, وهكذا أيضاً مع الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام ,1956 وقبل ذلك ما سجله التاريخ في شهادة وفاة الوحش النازي (الفوهرر) الذي امتلك في حينه جميع عناصر القوة الحاسمة التي اندفع على خلفيتها, وبالاعتماد عليها لإزالة جزء من البشرية عن الوجود وإخضاع ما تبقى ليكون بمثابة العبيد الذين سيقضون حياتهم في خدمة (السوبرمان الآري). وليس عبثاً أن يجيب أحد مجرمي الحرب النازيين عندما سئل عن الحملة النازية على روسيا والمسماة (بربروسا) بأن أجاب: (للأسف الشديد لقد كررنا الخطأ نفسه الذي ارتكبه نابليون قبل مئة وثلاثين عاماً). نعم إنه الغرور, الداء القاتل والذي يصيب الأقويا ء وها هو جورج بوش الابن (فوهرر القرن الحادي والعشرين) يقع ضحية ذات الداء القاتل (الغرور). إنه الفشل في إدارة القوة واستثمارها. عندما طرح ايزنهاور مشروعه الشهير لسد الفراغ في (الشرق الأوسط) الناتج عن أفول الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية, كان ذلك ومن وجهة نظر العلاقات الدولية والسياسية بشكل عام أمراً يمكن اعتباره طموحاً واقعياً, وهذه طموحات الأقوياء عندما ينكفىء الآخرون ويحدث الفراغ, ولكن رقعة ً جغرافية صغيرة كمنطقة الشرق العربي شيء, وجغرافية العالم شيء آخر. إن ملء الفراغ الذي اعتمدته الدوائر السياسية الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, والذي غالباً ما يطلقونه كتعبير سياسي استراتيجي (القرن الأميركي) والمقصود بالطبع أن القرن الحادي والعشرين سيكون أميركياً بكل ما يعني ذلك من هيمنة عسكرية واقتصادية وثقافية وغير ذلك. إن أرخبيل الفراغ الناتج عن انهيار الاتحاد السوفييتي وأفول المنظومة الاشتراكية, والذي يمتد كما هو معروف من بحر البلطيق إلى حدود الصين مروراً بأوربا الوسطى أو الشرقية, ومنطقة البلقان و(الشرق الأوسط) وصولاً إلى آسيا الوسطى, والوقوف على حدود الصين. هذا الأرخبيل وبكل تأكيد هو مختصر للعالم, وفرض الهيمنة الأميركية عليه يعني بالضرورة الإمساك بالقرارات الدولية, وتحويل دول العالم إلى موظفين عند العم سام ينفذون سياساته طبعاً »موظفين درجات أولى - ثانية - ثالثة....الخ) حيث إنه ليس من المعقول أن دولة مثل فرنسا موظفة بنفس الدرجة هي وجمهورية كرازاي. هناك العديد من المراقبين يعتقدون أن وقوف معظم الدول الغربية إلى جانب الإدارة الأميركية في هذه الحرب المقدسة....!?) أو »الصليبية) كما وصفها السيد جورج بوش نفسه, ووقوف العديد من الدول موقف الحياد, كان في باطنه تشجيعاً »للفوهرر الأميركي) على ارتكاب الخطأ الذي ربما سيكون الأخير, على مبدأ وبالإذن من سيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي »انفشوا). سابقاً قال أبو التاريخ »هيرودوت) واصفاً منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بأنها »حفرة الآلهة). ونحن بدورنا نود أن نضيف إلى كلام هذا العبقري اليوناني أن هذه المنطقة »مقبرة لأعداء الآلهة). إنها الجغرافيا مرة أخرى, وإنه التاريخ, إنه الشعب الذي ومهما طال الزمن وكان العدو قوياً وفاجراً, سوف ينتفض من جديد كالبركان الثائر أو الطوفان الذي سيحيل الغزاة إلى بقايا صور كريهة في ذاكرة أبناء المنطقة. وأما إذا ما انتقلنا بالصوت والصورة من مسرح العمليات أي العراق, إلى داخل الولايات المتحدة الأميركية, فسنلمس بكل وضوح الهزيمة المحققة في هذه الحرب وما هو ظاهر من الشعب الأميركي والمتزايد يومياً في رفض هذه الحرب لهو الدليل الأكثر مصداقية لمأزق الإدارة الأميركية وللمحافظين الجدد في البيت الأبيض, وما لم تعترف دوائر صنع القرار بهذه الحقيقة ومن ثم العمل على مواجهتها بكثير من التعقل وبعيداً عن الإنفلات العقائدي والسياسي فستكون الكارثة بانتظار أميركا العظمى. ويعتقد غير محلل غربي أن الإدارة الأميركية و التي وضعت على لائحة أهدافها من هذه الحرب محاصرة سورية وإيران وعزلهما تماما ً بحجة أنهما تتدخلان في قضايا (الشرق الأوسط) من فلسطين إلى لبنان إلى العراق وغيرها. إن هذه الإدارة, أو لنقل من تبقى من العقلاء فيها سيكتشفون أن تدخل إيران وسورية هو السبيل الوحيد لانقاذهم من الهلاك السياسي والاستراتيجي في هذه المنطقة. |
|