|
شؤون سياسية بدأ ما سمّي (عملية السلام) ليتضح معها أن (إسرائيل) لم تكن تقصد ب (السلام) سوى توقيع معاهدات مع الدول المحيطة بها, إلاّ أنها لم تتوصل إلى رؤية جادة لحل مع الفلسطينيين. اخترع الإسرائيليون لأنفسهم كذبة أو وهماً وصدقوا أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية عربية, بل إنها »ماتت) عربياً, واضمحلت, وبالتالي, فإنهم يستطيعون أن يتكفلوا مراسم الدفن, إن لم يكن بالتفاوض فبالقوة. بل إن هناك عرباً انجروا إلى مثل هذا الاعتقاد متجاهلين حقائق مزروعة في مجتمعاتهم منذ نصف قرن على الأقل. يستطيع العرب أن يقولوا اليوم إنه ليس في الجهة المقابلة محاور أو مفاوض أو شريك. والدليل أمام الجميع: هناك مبادرة عربية للسلام, وفي المقابل هناك مشروعات شتى وأفكار كثيرة لا هم لها سوى تخريب أي مشروع للسلام. فالأكيد أن جهد »إسرائيل) واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة سيتركز على الإطاحة بأي مبادرة عربية أو منعها من التداول أميركياً. فالقاعدة السائدة هي أن الإدارة الأميركية لا تتبنى سوى ما تقدمه لها »إسرائيل). وأيّ اقتراح يطرح للعرب يجب أن يأتي »ثنائياً) إسرائيليا - أميركياً أو لا يكون ولا يطرح أصلاً. لم تأت المبادرة من فراغ, بل انبثقت من آخر ما توصلت إليه المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما أنها ارتكزت إلى المرجعيات المتوفرة, من قرارات الشرعية الدولية. إلى مبادىء مؤتمر مدريد, وصولاً إلى المفاهيم التي تولدت خلال التفاوض لحل كل ملفٍ على حدة. لكن في إطار تصور كامل وشامل. مبادرة عربية تذهب في الاتجاه الدولي, بل تأخذ في اعتبارها »الرؤية) الأميركية للحل كما أعلنها الرئيس الأميركي. إلاّ أن الطرف الإسرائيلي الذي لا يملك أي مبادرة, لا يزال عند التحليل الذي ذهب به إلى مدريد, وهو: إذا لم يكن هناك بدّ من التفاوض فليكن تفاوضاً إلى ما لا نهاية. أقصى ما يفكر فيه أولمرت اليوم هو فترة هدوء طويلة في المناطق الفلسطينية مع إبقائها تحت الاحتلال, ثم تفاوض على اتفاق مرحلي محدود يعيد تطبيق ترتيبات »أوسلو) معدّلة. ثم فترة اختبار لهذا الاتفاق قبل الشروط في مفاوضات التسوية النهائية مع التشديد الدائم على شرط »إسرائيل) في هذه التسوية بالنسبة إلى القدس واللاجئين والمستوطنات والسيادة. إنها سياسة أحادية ترفض أي قيود من التزامات سابقة أو مرجعيات دولية أو اعتبارات سياسية, سياسة تقوم على الاستعلاء والتصرف الامبراطوري, وتسقط السلم بالمفهوم الدولي المتعارف عليه لأنه يعكس معطيات ومرجعيات ماضوية سقطت بعد 11 أيلول, في حين تؤكد على السلم المرتبط بعملية التغيير الإقليمي أو تغيير الموازين الاستراتيجية في المنطقة. فالأولوية تبقى لإعادة تحديد الأوزان والأدوار الإقليمية التي ستساهم في خلق البيئة المناسبة للسلم الإسرائيلي. على الصعيد الفلسطيني يترجم ذلك من خلال استراتيجية الارباك المستمرة والشك والتهميش. وعلى الصعيد السوري يترجم ذلك في استراتيجية التشجيع والدفع باتجاه الاحتواء الناشط وبالواسطة لسورية عبر حركة التطورات الإقليمية والدولية في المنطقة لتغيير سلوكية الطرف السوري بغية افقاده أوراقه أو تحييد هذه الأوراق من أجل إضعاف الوزن الإقليمي لسورية كشرط للعودة للمفاوضات على هذا المسار. يشجع على ذلك كله بالطبع, موقف أميركي غارق في ملفيه العراقي والداخلي الانتخابي. سياسة واشنطن »الرسمية) لا تريد تنفيس مناخات الضغط على سورية من خلال تحريك المسار التفاوضي الذي يفترض في الحد الأدنى تطبيع العلاقات الأميركية - السورية وإعادة الحرارة لهذه العلاقات, مما يضرب سياسة الاحتواء لتغيير السياسات السورية التي يعمل لها التيار القوي في واشنطن: إنه التطابق الاستراتيجي بين الفاعلين في »إسرائيل) والقادرين في الولايات المتحدة في ظل استمرار ا لغياب الأوروبي وبالطبع ازدياد التبعثر وحالة انعدام الوزن العربي. وقد نجحت سورية في إثبات أن »إسرائيل) غير معنية بالسلام في إطار دبلوماسية الصراع العربي- الإسرائيلي بقدر ما هي معنية بإحداث تغيير استراتيجي في المنطقة. إنه مشروع تغيير أو انتظار حصول تغيير لا يخدم السلام العربي- الإسرائيلي, بل يؤسس لمزيد من التوتر طالما أنه يحاول القفز فوق المعطيات الواقعية للصراع. |
|