تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المسلمون الغربيون: البحث عن الاندماج الثقافي

آراء
الاربعاء 17/10/2007
أ.د.حسام الخطيب*

ما مصير الجاليات الإسلامية في الغرب? وما الاختيارات الإيديولوجية والثقافية المتاحة لهم? وكيف يمكن التوفيق بين ثوابت الإسلام ومقتضيات الاندماج في ثقافة المجتمعات الغربية العلمانية? هذه الأسئلة ومثيلاتها يجيب عليها بالتفصيل كتاب:

(المسلمون الغربيون ومستقبل الإسلام) , لطارق رمضان‏

Western Muslims and the future of Islam. Tariq ramadan.Oxford University press, 1 st ed. 2003, 2 nd 2004, 272p.‏

هذا الكتاب مثير وشديد الخطورة, يحاول فيه المؤلف أن يحدد معنى المسلم الغربي, وأن يسهم في معالجة التحزبات الرائجة في الغرب ضد الإسلام الراديكالي. ويركز على سعي المسلمين الغربيين للعيش بانسجام يوفق بين معتقداتهم الدينية والإطار الاجتماعي الثقافي الذي يعيشون داخله يومياً في الغرب, ويوضح أنهم في سعي مستمر لإعادة فهم عقيدتهم الدينية من خلال الالتزام بمبادىء الإسلام وثوابته, وفي الوقت نفسه الاندماج في الثقافات الأوروبية والأميركية والانتماء الذي لا لبس فيه للمجتمعات الغربية. وهذا الأمر سيؤدي بالضرورة إلى انبثاق إسلام غربي مستقل متفاعل مع الواقع الثقافي للغرب وغير مرتبط تماماً بتقاليد البلدان الإسلامية.‏

ويدرك المؤلف أن التوصل إلى المعادلة المنشودة ليس أمراً سهلاً, وفي هذا السبيل يشرع في قراءة جديدة للمراجع الإسلامية تهدف إلى التوصل إلى فهم متطور للمبادئ الإسلامية الأساسية, ليسهل على المسلمين الاندماج في المجتمعات الغربية, ويقدم في الكتاب خطوطاً نوعية واضحة وجريئة لبلوغ هذا الهدف.‏

ويرى المؤلف أن المسلمين يستطيعون, بل ينبغي لهم, أن يتمسكوا بمبادئهم الإسلامية, وفي الوقت نفسه أن يندمجوا اندماجاً كاملاً في المجتمعات الغربية العلمانية. وبهذا يقدم الكتاب رؤية مثيرة باتجاه خلق هوية إسلامية جديدة من شأنها أن تؤدي إلى الإقلاع نهائياً عن فكرة فهم الإسلام من خلال اختلافه ومناهضته للغرب.‏

إن هذا الموضوع الذي يطرحه المؤلف طارق رمضان, يتصف بحساسية وقابلية قوية للأخذ والرد, وإنصافاً للكاتب, نؤثر أن نقدم رأيه بلسانه, وربما كان النص التالي المترجم عن المقدمة أوضح تعبير عن تفكير المؤلف:‏

منطلقات الاندماج في المجتمعات الغربية‏

مبتدئاً برسالة الإسلام ومبادئه الكونية, أخذت أستقصي الوسائل التي يمكن أن توفر دافعاً ذاتياً لحركة إصلاح واندماج في البيئات الجديدة (للمسلمين). إن قوة وفعالية (مبدأ الاندماج) الذي هو الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه كل الأدوات التشريعية للتكيف, هذه القوة تكمن في كونها تأتي من منطلق مضاد تماماً (لما هو قائم), أي بدلاً من الخضوع للحساسية وهوس حماية الذات والانزواء ومحاولات الاندماج الذاتي من خلال (الباب الصغير) أو الهامشية أو موقع الأقلية, فالمسألة خلافاً لكل ذلك هي مسألة (اندماج) أي مسألة تمكن الإنسان من تملك كل ما أنتجه الناس من خير وحق وإنسانية- على المستويات العلمية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها.‏

وبينما يتحدث مواطنونا (في الغرب) عن (إدماج) المسلمين بيننا تتمثل هذه المسألة بين المسلمين بشكل مختلف, إذ تعلمهم مبادئهم الكونية أنه حيثما يضمن لهم القانون احترام شخصيتهم الخاصة واحترام حريتهم المتعلقة بوجدانهم وعبادتهم, فإنهم يشعرون بالطمأنينة, وينبغي أن يعتبروا مسلمات مجتمعاتهم هن مسلماتهم,وينبغي أن ينخرطوا إلى جانب إخوانهم من المواطنين في العمل على دفع مجتمعاتهم باتجاه الأنسب والأفضل.‏

ولا مجال للانسحاب ولا لهوس الهوية بل- على العكس من ذلك- إن المطلوب الدخول في حوار بناء, كما هو شأن طرفين متساويين, مع جميع مواطنينا, من خلال الاحترام المتبادل ومن خلال الانتماء المشترك والقيم المتفق عليها وبقلب مفتوح للتضافر المتبادل, بحيث يصبح المسلمون بالنتيجة مشاركين حقيقيين في عملية البناء.‏

ويمثل المقطع السابق جوهر دعوة طارق رمضان إلى اندماج المسلمين مع مجتمعاتهم الجديدة ويعلق على هذه الدعوة بما يلي:‏

وأعلم أن هذه الأفكار مخيفة, ,وأنها تبدو جديدة وهجومية, على حد قول أحد المستمعين في تعليق له على هذه الأفكار خلال إحدى محاضراتي في بريطانيا. فلأقل إذن إن قراءتي للمراجع الدينية مقرونة بدراستي لبيئتنا الغربية قادتني إلى طرح فكرتين جذريتين تتضمنان رفضاً قاطعاً لبعض المواقف الفكرية الرائجة. فأولاً, ليست المسألة هي مسألة تكييف المبادئ الكونية للإسلام لكي نعطي انطباعاً بأننا نعمل على دمج أنفسنا في النظام العقلاني.‏

وهنا أرى أن المطلوب هو التوصل إلى طريقة يستطيع الإسلام الكوني من خلالها أن يتقبل ويحترم التعددية ومعتقدات الآخر.‏

وهناك فرق بين أن أعدل نسبياً ما أعتقده وأن احترم كلياً معتقدات الآخر. إن روحية ما بعد الحداثة تدعونا أن نخلط دون وعي الأطروحة الثانية بالأطروحة الأولى. وهذا ما أرفضه. فأولاً إنه لمن صلب كونية مبادئي أن يطلب إلى وجداني أن يحترم التنوع, والنسبية, وهذا الأمر يفسر لماذا حتى في الغرب (وفي الغرب بالذات) ينبغي لنا أن نفهم وجودنا من خلال مفهوم (الأقلية) وأعتقد أنه يجب إعادة النظر في مسلماتنا حول (الأقلية المسلمة) وحول (قانون الأقليات) أي فقه الأقليات بمصطلحنا, وسوف أعطي هذه المسألة جانباً من اهتمامي, في الصفحات التالية من الكتاب.‏

استقلال وعلاقة متوازنة مع مسلمي الشرق‏

»إنني أساند بمنتهى العزم فكرة الاستقلالية الفكرية والسياسية والمالية للمسلمين الغربيين) وبالطبع لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن التبادلات والمحاورات مع البلدان الإسلامية يجب أن تنقطع بل العكس هو الصحيح, إذ تشتد الحاجة, أكثر من أي وقت مضى, لفسح المجال أمام اللقاء والحوار ولاسيما بسبب عدم وجود أي فقهاء ممن ولدوا في الغرب يمكن أن نرجع إليهم.‏

وفي هذه المرحلة من التغيير تغدو تقوية الصلات بين مسلمي الغرب والشرق مسألة أساسية. وما أقصده تماماً من فكرة الاستقلال هو أن المواطنين الغربيين المنتمين إلى العقيدة الإسلامية يجب أن يفكروا بأنفسهم وأن يطوروا أطروحات ملائمة لأوضاعهم, وأن يتوصلوا إلى أفكار جديدة وملموسة.‏

وعليهم أن يرفضوا أن يبقوا في حالة تبعية على المستوى الفكري أو على المستويين المالي والسياسي, والأخيرة هي الناحية الأشد تدميراً, وهذه الأنماط من التبعية هي الأسوأ, لأنها تحول دون تحمل المسؤولية ودون إصلاح وتحرير القلوب والعقول. وفي الوقت نفسه, أرفض بوصفي مواطناً رد الفعل الكولونيالي المتفشي في أوساط حكومات معينة وبعض المعلقين, والمبني على الرغبة في إبقاء المسلمين في تلك التبعيات القديمة أو في تبعيات جديدة, بحيث يتم الكلام بالنيابة عنهم, تماماً مثلما أرفض »الأبوية) المخاتلة التي »تساعد شباب المسلمين) على أن يظلوا إلى الأبد غارقين في ذواتهم وعاجزين عن بلوغ سن الرشد.‏

البديل الثقافي‏

ويخصص الكاتب فصلاً كاملاً حول ما يسميه »البديل الثقافي The Cultural Alternative ويبدو في هذا الفصل جازماً حاسماً واضح السبيل, ويبدأ بالتأكيد أن »الإسلام ليس ثقافة) وأن جوهر الإسلام هو الدين. فالكلام على الإسلام هو كلام على العقيدة والروحية ومبادئ الأخلاق ثم إن الإسلام حضارة وفيه وحدة وتنوع.‏

ولكن ما هي ثقافة المسلمين الغربيين?وبالمناسبة يصر الكاتب على التسميةWestern Muslims بدلا من التسمية الأخرى » المسلمون في الغربMuslems in the West) تمهيدا ودعما لحقيقة وجود ثقافة خاصة بهم وهنا يؤكد ويقدم البراهين على تعدد ثقافات المسلمين حسب مواطنهم الأصلية وأعراقهم فثقافة الباكستاني أو التركي المسلم مثلا تختلف عن ثقافة العربي المسلم وكذلك ثقافة العربي المسلم القادم من المغرب تختلف عن ثقافة العربي القادم من المشرق وهذا يظهر جليا في سلوك الجاليات الإسلامية في الغرب حسب استنتاجاته وهنا يشير إلى نقطة حساسة جدا مفادها أن الذين يهتدون إلى الاسلام في الغرب يقعون في خيار أن يكونوا مسلمين عربا أو مثلا باكستانيين ويقرر بلغة جازمة أنه » يوجد اختلاف واضح بين الاسلام وثقافات الانتماء الاصلي) ويقرر أن » وعي هذه الحقيقة يشكل سمة المرحلة الانتقالية التي يمر بها الاسلام في الغرب ويترتب على ذلك وجود مشكلة انتماء وهوية لدى الجيل الجديد من مسلمي الغرب يجب في رأيه أن تؤدي إلى ولادة ما يسميه:ثقافة إسلامية أوروبية وأميركية تقوم في وقت واحد على أساس احترام المبادئ الكونية وتستند إلى تاريخ بلاد الغرب وتقاليدها وأذواقها وأساليب عيشها).‏

وفي رأيه أن هذه الممارسة قد بدأت فعلا وأ نها تبقى أسيرة التعقيد وتتطلب وعيا يحتاج إلى تغذية بالمبادئ وبقابلية التحليل من خلال عقل مفتوح ورهافة نقدية وروح إبداعية ويركز المؤلف في النهاية تركيزا شديدا على إنعاش العقل الانتقادي وروح الإبداع عند المسلمين الغربيين بحيث لا يقعون أسرى لتقليد القديم ولتقليد الحديث.‏

تعليق وتساؤلات‏

وبالطبع تبقى مشكلة التفاعل بين ثقافة ايمان ديني راسخ الجذور وثقافة مجتمع علماني قائمة على التجديد الدائم ونسبية الحقيقة وتعدديتها تبقى معضلة حقيقية ولا تقل عن اشكالية معضلة ما ينادي به المؤلف من خلق هوية جديدة لمسلمي الغرب من شأنها أن تؤدي إلى الاقلاع نهائيا عن فكرة فهم الاسلام من خلال اختلافه عن الغرب ومناهضته لثقافة الغرب المفتوحة إطلاقا لشتى أنواع الاجتهادات والنزعات.‏

ويخشى المرء إلى جانب هذه التحوطات من أن يكون الواقع السياسي الراهن بين الغرب (ولاسيما الغرب الأميركي) والإسلام (ولاسيما الإسلام المقاتل) أن يكون هذا الواقع عاملا من عوامل تعقيد المعضلة وأن يلقي بظلاله المخيفة على أية محاولات نزيهة للبحث عن مخرج عقلاني وإنسانوي ولعل هناك عبرة قوية الدلالة على هذا التخوف تكمن في ما عاناه الكاتب نفسه خلال الشهور الأربعة الأخيرة من مماطلة سلطات الهجرة الأميركية في إعطائه تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة للالتحاق بجامعة إنديانا, تلك المماطلات التي انتهت أخيرا إلى رفض منحة التأشيرة على الرغم من جهود الجامعة مع العلم أن الدعوة التي يتبناها قد تكون أقرب بكثير إلى الدعوات المتصاعدة في أميركا بشأن إصلاح الإسلام والمسلمين.‏

ويزداد هذا الاستغراب قوة اذا عرفنا أن المؤلف يعمل استاذا للفلسفة في كلية جنيف واستاذا للدراسات الاسلامية في جامعة فريبورغ بسويسرا وله عدة مؤلفات منها كتابه عام 2000 بعنوان:» كيف يكون المرء مسلما أوروبيا) وفي ذلك العام اعتبرته » التايمز) اللندنية واحدا من مئة مجددين خلال القرن العشرين.‏

والخلاصة أن كتاب: مسلمو الغرب ومستقبل الاسلام يطرح قضايا مثيرة جدا في مجال العقيدة والثقافة ويعالجها معالجة تحليلية واجتهادية من خلال المفردات الفقهية ولكنه يمكن أن يثير إشكالات واعتراضات حادة لدى التيار الاسلامي السلفي وربما ايضا لدى التيار القومي ويمكن أن يعتبر نوعا من الثورة داخل المفهوم الاسلامي التقليدي.‏

وقد لقي كتابه الحالي اهتماما كبيرا في الغرب ويبدو أنه ظهر أولا في طبعة فرنسية عام 2003 وعلقت عليه جريدة » التايمز) بأنه يساعد على أن يصبح الاسلام جزءا عضويا من المشهد الديني الأوروبي كما ثارت حوله مناقشات حادة في فرنسا وتباينت الآراء بشأنه وهذا حال كل أطروحة فكرية جديدة.‏

ملحق: وردت تعليقات كثيرة باللغات الأوروبية حول كتاب طارق رمضان وكانت التعليقات بالعربية قليلة نسبيا مع العلم أن موضوع الكتاب مثير للجدل وذو أهمية خاصة في هذه المرحلة من التوتر الذي يصاحب حياة العرب والمسلمين المهاجرين في الغرب.‏

ومن التعليقات الغريبة عرض للكتاب بقلم أمير طاهري وجدت فيه فهما غريبا للكتاب وقد نشر التعليق في ملحق منتدى الكتب التابع لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 1/3/.2006‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية