|
تجارب شخصية استمعنا الى تجربتها فقالت: نشأت في أسرة منفتحة ذهنياً وفي جو من التحرر الملتزم أخلاقياً تلقيت رعاية خاصة من والدي الذي كان يعمل مدرساً للموسيقا, اضافة الى مهنته في الرسم على الرخام, حيث كنت وحيدة ومدللة بين أخوتي الذكور وكان والدي يشجعني على الدراسة والتعلم والحوار في مختلف الأمور. هذا الحوار المستمر بيني وبين والدي منذ الطفولة علمني ألا أقبل الأشياء بشكلها العشوائي, فكان ذلك مفتاحاً أساسياً لتكوين شخصيتي ولتنميتي وقدرتي على اتخاذ القرارات المتعلقة بمجرى حياتي (في اختيار الاختصاص والزوج والمهنة والأصدقاء وأسلوب الحياة والتعامل مع الآخرين) فمثلاً كان اختياري لدراسة اختصاص الفلسفة نابعاً من حبي لمعرفة ماذا وراء الظواهر والحالات التي نشاهدها ونحسها في مواقف يومية, مع أنها كانت من الفروع غير المرغوبة بالبيئة الاجتماعية في ذلك الوقت, وتعرضت كثيراً للسؤال عن سبب اختياري لهذا الاختصاص وماذا سأفعل بهذا النوع من الشهادة وما نفعها في المستقبل? ولماذا لم أختر فروعاً أخرى بما أن علاماتي تؤهلني لذلك? هذا الكلام لم يجعلني أندم مطلقاً على اختياري, لأنني كنت مقتنعة وبعدها أصبحت أعشق الفلسفة لأنها جعلتني أمتلك ذهنية ناقدة وجرأة في التعبير بطرق تحليلية فوجدت ذاتي من خلالها. وفي الجامعة حيث الميدان أوسع بكثير من المدرسة وحيث طبقات اجتماعية مختلفة. تعلمت كيف أتعامل مع الاختلافات المتعددة بين الناس (العرقية والدينية والاجتماعية والطبقية) وأن الاختلاف هو الجو الصحي والحقيقي لنمو الشخصية لأنه يشكل جزءاً حقيقياً من الوجود الانساني وهي مهارات حياتية لا بد أن نتمتع بها ونمتلكها. في نهاية المرحلة الجامعية تعرفت على زوجي وأحببته فكان قرار الارتباط هو قرار شخصي وليس قراراً أسرياً, وأقول ذلك لأن أسرتي في البداية كانت متخوفة من ارتباطي بشاب متخرج جديد لا يزال في مرحلة الصفر ولم يؤسس شيئاً اقتصادياً يمكن الاعتماد عليه للمباشرة بحياة زوجية وحيث إني تربيت على أني سأختار, كان لا بد من إقناع الأسرة بقراري هذا من خلال ما أمتلكه من أدوات صحيحة للإقناع ولأنني مؤمنة أن الوضع الاقتصادي ليس معياراً أو مؤشراً كافياً للانتقاء الصحيح, وإنما المعيار الفكري والانساني القائم على التكامل بين الشخصين لا على التطابق هو الأساس والأهم في الحياة الزوجية. ولهذا رفضت المقايضة في زواجي, ورفضت المهر والذهب وكل شيء ينتمي لعادات الزواج الكمالية, وكان ارتباطنا مجرد انسانة مع انسان يجمعهما الحب. فبدأنا معاً رحلة الكفاح من نقطة الصفر وأثبتت الأيام لي أن الرجل والمرأة عندما يناضلان معاً لبناء الأسرة والحياة يصبح كل منهما تاريخاً للآخر ولن يستطيع أي منهما أن يستغني أو يستبعد هذا التاريخ ببساطة. بالنسبة للعمل فقد فضلت الجانب التربوي على القيام بالأعمال الادارية لأنه يهتم ببناء الانسان, فعملت بوظيفة عضو مناهج في وزارة التربية وبعدها موجهة أولى لمادة الفلسفة وهي مسؤولية تربوية انسانية تتعلق بنظم التفكير وبناء العقول لدى الجيل. لذلك عندما تثنى لي المشاركة في تطوير المناهج في الوزارة كنت أرسم أمامي وأرى في مخيلتي أي جيل نريد وأي عقل نأمل فكنت أصوغ المعايير الفلسفية والاجتماعية والنفسية من خلاله فأحببت أن تكون طريقة التدريس علمية نقدية (فمثلاً منهاج الفلسفة الذي يدرس حالياً يتعامل مع تاريخ الفلسفة أكثر مما يتعامل معها بوصفها مشكلات نظرية عقلية) وخلال الاعداد لهذا العمل واجهتنا بعض الصعوبات منها إشكالية النظرة الفكرية لفهم المفاهيم أي الخلط في تفسير المعاني فكان هناك جهد كبير ومناقشات مكثفة لوضع المناهج في إطارها الصحيح وأنا أعتبر هذا العمل في غاية الأهمية لأنها مسألة وطنية تتعلق بتأليف كتاب مدرسي سيصل الى أيدي آلاف الطلاب ومشاركتي في كثير من اللجان التي تتمحور حول المرأة والقانون الدولي الانساني وذوي الاحتياجات الخاصة أثارت عندي الحس الانساني أكثر وخرجت بقناعات أكثر نضجاً حول هذه القضايا التي تنطلق من حق الآخر في الوجود والحياة والاعتراف بهذا الاختلاف وقبوله. وأهم الأمور التي أعمل عليها الآن من خلال عملي كمديرة للبحوث العلمية في وزارة التربية ضمن فريق عمل متكامل هو تطوير مهارات التواصل والتعامل مع الأطفال المعاقين ومتابعة الحالات الفردية في المدارس والتركيز على إلغاء النظرة التفاضلية (أقل, أحسن) وأسمي هذا العمل رسالة اجتماعية انسانية يجب أن يتعاون الجميع من أجلها. وأقول لك الصدق انني فوجئت عندما تم تكليفي مديرة للبحوث مع أنني أحب هذا النوع من العمل الذي يتصف بالجانب الميداني الفعلي وإنما سبب تفاجئي هو أنني دائماً لي أفكاري الخاصة التي لم تكن تعجب الآخرين من حولي فلا أقبل المسائل كما هي أو كما تفرض دون قناعات حقيقية لها وأنا أؤمن بأن المرأة قادرة على قيادة أي منصب أو فريق عمل وفق ثنائية العقل والعاطفة ولا بد أن تشمل جهودي في هذه المهمة لذلك في البداية فضلت التروي في طرح الخطط والمشاريع ريثما أتمكن من دراسة الشخصيات التي سأعمل معها ومن ثم تكوين فريق عمل متعاون ومنسجم وناجح. وقد فضلت ممارسة هذه المهمة من خلال فريق عمل لأنني أرى أن التفرد في الادارة أو العمل لا يعطي ثماراً طيبة وحقيقية في أي ميدان وما بالنا في الميدان التربوي. ولا أرى أن وجود المرأة في موقع المسؤولية أو المنصب يؤثر على حياتها المنزلية لأنه بطبيعة الحال المرأة مناطة بأدوارعديدة وليس بدور واحد لذلك يتوجب عليها أن تكون قادرة على التعامل مع الأدوار المختلفة وأن لا تخلط بينها فلكل دور شخصيته وسلوكياته وممارساته المناسبة له. والأنثى قوية بطبيعتها الأنثوية فإن تناست أو تنكرت بأنوثتها فقدت قوتها الأساسية فالمنصب لا يتعارض مع الأنوثة إلا إذا كانت هي نفسها تنظر لنفسها أنها مجرد جسد لا عقل وهذه نظرة حسب رأيي هي نظرة مجتزأة للمرأة تتعامل معها وفق اغتراب بين انسانيتها العامة ككائن إنساني وبين أنوثتها الخاصة التي هي جزء من انسانيتها العامة لا أنكر أني عانيت من مقولة المرأة عدوة للمرأة للأسف أن المرأة في مجتمعنا لا تنظر الى قضيتها أثناء وجودها في موقع ما نظرة كلية شمولية فالمرأة في موقع القرار لا تحقق ذاتها فقط هي تحقق حق المرأة في الوجود بشكل عام لكن الذي يجري أن المرأة أول ما تخاف في العمل هي المرأة وتبدأ في محاربتها وهذا يتناقض مع مبدئها الأساسي في إحقاق ذاتها ففي أكثر الأحيان قد تمتلك ذهنية نسائية تقليدية تقوم على الغيرة والخوف والخلط بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي. ليس من نصيحة معينة يمكن تقديمها وأنا أرى أجمل الأيام هي التي لم نعشها بعد وشعاري دائماً أنني يجب أن أتغلب على الظروف وأن أخلق الظروف لا أن أنتظرها حتى تأتي إلي فالصراع في الحياة أجمل ما في الحياة هذا ما أكدته لي تجربتي حتى وأنا الآن في مرحلة نيلي لشهادة الدكتواره إذ لي نظرتي الخاصة وهي أنني لا أسعى وأتعب من أجل نيل الشهادة التي أعتبرها مجرد أداة وإنما لأنني أريد تقديم مشروع ثقافي نهضوي يتوج من خلال هذه الشهادة. |
|