تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأخطاء الأميركية في العراق... أهي تكتيكية أم استراتيجية?

شؤون سياسية
الخميس 6/4/2006
د.سعيد مسلم

أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية, أن الولايات المتحدة الأميركية ارتكبت آلاف الأخطاء في العراق.

وفسرت ما يجري من تظاهرات مناهضة لادارتها في عواصم العالم التي تزورها بأنه تعبير حقيقي عن الديمقراطية وأنه نتاج الاستراتيجية الأميركية الجديدة الهادفة إلى نشر الديمقراطية في العالم.‏

إلا أن اللافت في التصريحات الرسمية الأميركية سواء رايس أو بوش أو رامسفيلد أو تشيني وغيرهم هو تبني فكرة الاستراتيجية البعيدة المدى, وخيار الخروج إلى العالم الآخر سواء كان ذلك بالغزو العسكري المباشر أو بالتدخل في شؤون البلدان وسيادتها وفرض أنظمة الحكم وتقييم نتائج الانتخابات على مبدأ, إذا نجح الموالون للإدارة الأميركية فهي الديمقراطية الحقة وإذا وصل المعارضون للتدخل الخارجي.‏

وإلغاء الهوية الوطنية فتلك خروقات للممارسة الديمقراطية وتبني خيار الجماعات الارهابية التي تخوض الاستراتيجية الأميركية حرباً طويلة معها وتؤيد فكرة غزوها في عقر دارها والقضاء عليها دون معرفة مكانها الدقيق أو الجماعات التي تمثلها فيما أصبح يعرف بحرب (الأشباح). ومنذ أيام صدر تقرير البيت الأبيض حول استراتيجية الأمن القومي وتبني خيار الضربات الوقائىة والسياسة الهجومية الطابع بكلام مكرر حول تفضيل واشنطن الدبلوماسية لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل والرغبة في نشر الديمقراطية والحرية.‏

واعتبر بوش في تقرير تحت بند النجاح والتحديات منذ عام 2002 أن العراقيين والأفغان استبدلوا بالأنظمة الاستبدادية أخرى ديمقراطية, وأن شعب لبنان رفض العبء الثقيل للحكم الأجنبي وأن عدداً من دول المنطقة قامت بخطوات على طريق الديمقراطية.‏

بينما يتجاهل نتائج الانتخابات الفلسطينية,و يركز على إلصاق تهمة الارهاب بحماس وكذك حزب الله والمقاومة في العراق, والممانعة السورية,وغيرها من نتائج لا تروق لهم وممارسات تعكر صفو برنامجهم سواء في ايران أو روسيا أو الصين ولروسيا البيضاء وحتى في أوكرانيا التي ادعوا بانجاح خيارها الديمقراطي منذ أقل من سنتين.‏

ويصف التقرير الأميركي الاستبداد بأنه مزيج من الوحشية والفقر واللااستقرار والفساد والمعاناة وهي تتشكل تحت حكم الطغاة والأنظمة الطاغية والمواطنين الذي يعيشون في دول مثل كوريا الشمالية -ايران- كوبا- ببلاروسيا- بورما- زيمباوبوي يعرفون مباشرة ما معنى متجاهلاً تماماً ما يجري في العراق وفلسطين وأبو غريب وغوانتانامو ونتائج القمع والوحشية والدمار والقتل واقتحام المدن وسياسة الأرض المحروقة وهدير الجرافات وروائج البارود والنابالم والفوسفور والقنابل العنقودية التي تصب جام الغضب الأميركي المتوحش في أماكن عديدة من العالم ولا ندري ما تصنف تلك الأعمال بنظرهم هل هي وصفات الديمقراطية والحرية?.‏

ويذكر تقرير البيت الأبيض بالاستراتيجية الأميركية قائلاً (إن البيئة الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة اليوم تختلف جوهرياً عما واجهته في الماضي إلا أن الواجب الأول على حكومة الولايات المتحدة يبقى حماية الأميركيين ومصالحهم هذا الواجب يلزم الحكومة استباق التهديدات ومقاومتها قبل أن يتحول إلى تهديد قد يؤدي إلى ضرر جسيم, وهناك أخطار تجعلنا لا نستبعد اللجوء إلى القوة مثل وقوع هجوم محتمل من ورائها وإذا كنا لا نعلم المكان والزمان الذي سيشن فيه العدو الهجوم فإن العمل الوقائي يظهر حقنا في الدفاع عن النفس).‏

طبعاً هنا تفسر الاستراتيجية الأميركية حالة أو ظاهرة حرب الأشباح وملاحقة الخصوم المجهولين وسواء بالهوية أوالمكان وفي هذه الحالة العالم كله مستهدف إذا ما ظهر في أي بقعة منه معارضة أو ممانعة للاستراتيجية الأميركية!‏

وأمام تبني الإدارة الأميركية لهذه الاستراتيجية الفاضحة ما زالت أصوات التنديد والاعتراض تتزايد شعبياً حيث استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع كبير في شعبية بوش, ورسمياً حيث كانت الدعوات مؤخراً. لتوبيخ بوش من قبل النواب عندما درس الكونغرس طلباً تقدم فيه النائب الديمقراطي زوس فيغولد وهي المرة الأولى التي توجه فيها مثل تلك الدعوات منذ عام .1834‏

ومهما كانت تفسيرات البيت الأبيض وإصراره على متابعة الاستراتيجية الهجومية والخروج إلى العالم البعيد فإن فكرة إلغاء الهوية وتقسيم البلدان واستعمارها المباشر وإدارتها من بعيد محكومة بالفشل وعلى الإدارة ا لأميركية إذا ما رغبت في تبني استراتيجية صحيحة, أن تقر بضرورة الحوار والشراكة وتلافي الأفكار والمصالح خدمة للحضارة الانسانية التي تتكامل في بوتقة العالمية لخدمة البشر وتنمية مقدراتهم وتفعيل شأنهم في تحديد المستقبل والمسار الذي يرغبون. ومفيد جداً العودة إلى دروس التاريخ والتعرض على مصير الامبراطوريات عندما خرجت من حدودها وقررت فرض نظامها الواحد وديكتاتوريتها العالمية والمال الذي وصلت إليه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية