|
ثقافة ما هي جذور المشكلة؟
وكيف أجهضت جهود النهضة التي بدأها الأفغاني ومحمد عبده أواسط القرن التاسع عشر؟! ما أثر دعوات المغرضين إلى اللهجات العامية؟! وماذا فعل الحاجز البشري المغروس في المنطقة؟ والمعادي لشعوبها وحضارتها؟! أسئلة عديدة عالجها كتاب «استعادة الهوية الحضارية العربية» بقلم الدكتور إبراهيم يحيى شهابي والصادر عن دار الفكر بدمشق الطبعة الأولى, حيث تناول فيه تلك المؤشرات والتساؤلات بأسلوب واضح وشفاف, مع تقديم شامل لأفكار عملية لمعالجة فقدان هذه الهوية العربية مما أدى إلى تردي مصير شعوبها, عارضا لبعض التجارب العالمية للأمم حيث استطاعت تجاوز تخلفها والانطلاق لبناء حضارة جديدة وفق أسس علمية وحضارية وخطوات على العرب اتباعها أو الاستئناس بها للخروج من نفق التخلف وقبضة الخطط الاستعمارية والصهيونية التي طال أمد الركون إليها, وبالتالي بناء مشروع للنهوض بخطط لمستقبل عربي وإسلامي فاعل. الكتاب ضم في فصوله الخمسة حوالي مئة وأربع وثمانين صفحة بقياس /17/24سم قدم عبره شرحا مفصلا عن الهوية الحضارية و النظريات التي شكلت على أساسها الأمم هويتها, كما وناقش النظريات القومية مع تعريف موجز للهوية الحضارية ومكوناتها, لينتقل في الفصل الثاني بذكر مكونات الحضارة العربية التي تتلخص بمكونين أساسيين الأول عام ويتمثل بالنظرية الكونية الإسلامية ونظامها الحياتي والمكون الثاني خاص ويتمثل بالعروبة وأسسها (الثقافة واللغة و...), وبعدها يتحدث عن المعالم الرئيسية للنظام الحياتي الإسلامي حيث الحياة نوعان: يتمثل الأول فيما وراء الطبيعة وفوقها, والنوع الثاني على سطح الكرة الأرضية و العلاقات القائمة بين البشر بموجب هذا النظام الحياتي والذي يتضمن (التعددية والتفاعل الحضاري القائم على الاقتصاد المتنوع والعدل والعلم والتربية من حيث العلاقات الأسرية والمجتمعية والدولية). الفصل الرابع عرج على توصيات كامبل بانرمان 1908 والتي بني أساسها على ما سمي آنذاك بالمسألة الشرقية التي أسست لآليات هدفت للمحافظة على أمر وتطلع يقتضي استمرار وجود الإمبراطوريات الأوروبية في منطقة البحر المتوسط عبر سبل وخطوات مقترحة تتلخص في تمزيق الوطن العربي جغرافياً, والحيلولة دون التقاء أي قطرين عربيين في إطار وحدوي سليم ومتين وذلك عن طريق افتعال خلافات بين الأقطار العربية وزجها في نزاعات جانبية سعيا منها لتمزيق الشعب العربي فكريا وذلك عن طريق تشجيع المذاهب والطوائف الدينية وتحريض بعضها على بعض, وكل ذلك لضمان السيطرة على المنطقة كلها وبقائها ترزح تحت التخلف بأشكاله المختلفة (الاقتصادي والعلمي والاجتماعي...)، ولذلك كان لابد من إقامة حاجز بشري معاد للشعوب في قلب المنطقة, و يكون صديقا وملبيا لرغبات الغرب وهذا الحاجز هو «الكيان الصهيوني» الذي وجد الغرب فيه ضالتهم, ناهيك عن أمر آخر سعت إليه تلك الخطة ومازالت تقضي العمل على تمزيق اللغة العربية إلى لغات ولهجات محلية عامية والابتعاد عن الفصحى «اللغة التي جمعت العرب ووحدتهم»، بحيث لا يعرف سكان الوطن العربي لغة أشقائهم في منطقة أخرى سواء أكانوا في الشرق أم في الغرب منه, مشيرا إلى عدد من الشخصيات العربية والدولية التي شجعت على نشر هذه اللهجات العامية في البلاد العربية والعمل على استبدالها باللغة الأم «الفصحى» التي يتفهمها جميع العرب أينما كانوا, ليس هذا فحسب بل عدد الأسباب التي أدت إلى إخفاق الأحزاب والحركات العربية في مواجهة المشروع الصهيوني لا بل وانشغلت هذه الأحزاب والحركات في الصراع فيما بينها, في حين استطاعت الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافها وفي غضون خمسين عاما فقط, والسبب في ذلك حسب رؤية المؤلف للكتاب «د إبراهيم شهابي» يعود في أن الحركة الصهيونية قد شخصت علتها تشخيصا صحيحا فوضعت العلاج فنجحت وحققت ما تريد. في الفصل الخامس والأخير ينطلق الكاتب إلى تلخيص الوضع الراهن للحضارة العربية التي تعاني من تمزق جغرافي وفكري وسياسي واقتصادي ولغوي وتخلف في الكثير من مناحي الحياة, حيث يجد الحل بإعادة بناء الهوية الحضارية عن طريق إحداث تفاعل بين العنصرين المكونين لها, مستعينا ببعض تجارب الشعوب الحية في النهوض من كبوتها والخطوات التي يمكن للعرب الاستفادة منها واتباعها وبغير ذلك يرى المؤلف أنه سيختفي من الوجود مصطلح الهوية الحضارية العربية وما يمثله هذا المصطلح والنتائج الكارثية التي ستحل على الأمة. |
|