|
دمشق فكان التوجّه الحكومي لترشيد الاستيراد وتشجيع التصنيع المحلى وإحلال بدائل المستوردات خطوة مهمة ضمن سلسلة خطواتٍ ترمي لحماية الصناعة الوطنية من تبعات الحرب والمضي بها قدماً نحو إنتاج صناعي نوعي وفق المواصفات والمقاييس الدولية. هذا التوجّه لدعم المنتج المحلي فرض مراجعة نوعية لآلية منح إجازات الاستيراد التي كانت سائدة خلال فترة الحرب فتبين أن هذه الآلية لا تخضع لمعيار محدد لا لجهة تحديد المواد المسموح باستيرادها ولا لتحديد المستوردين، حيث كان العامل الشخصي يلعب دوراً كبيراً في التقدير سواء لجهة المادة التي يتم الموافقة على استيرادها أم الكميات، ليتم بعد إجراء الدراسات اللازمة اعتماد آلية محددة لمنح إجازات الاستيراد تتضمن السماح باستيراد كل مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي والمواد الأساسية الغذائية وغير الغذائية التي لا يوجد منها إنتاج محلي أو إن الإنتاج المحلي منها غير كاف. إعادة النهوض بالإنتاج الزراعي والصناعي للوصول به ما أمكن إلى تشغيل كل المنشآت وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها وتوفير المواد الاستهلاكية الأساسية التي ليس لها بديل محلي كان المعيار الأهم لمنح إجازات الاستيراد فوصل عدد إجازات الاستيراد الممنوحة خلال 2018 إلى 25 ألف إجازة، حيث بلغت كمية قطع التبديل لمعدات وسائل الإنتاج والنقل عام 2016 /61/ ألف طن وعام 2017 /84/ ألف طن وعام الماضي /95/ ألف طن، في حين بلغت كمية خطوط الإنتاج والآلات لعام 2016 /5/ آلاف طن وعام 2017 /13/ ألف طن وعام 2018 /21/ ألف طن، إضافة إلى ارتفاع نسبة عدد المواد المنافسة المحققة وخاصة بالنسبة لاستيراد المواد المستهلكة فعلى سبيل المثال وصل عدد المستوردين لمادة السكر عام 2018 إلى 41 مستورد بكمية 327 ألف طن، في حين وصل عدد المستوردين للزيوت إلى 72 مستورد، كما بلغت قيمة المواد الغذائية المستوردة العام الماضي400 مليون يورو. وفتحت الآلية المعتمدة السقوف من هذه المواد دون تحديد لا من حيث الكمية ولا القيمة بهدف خلق المنافسة بين المستوردين وتحقيق العدالة والمساواة بينهم في الحصول على إجازات استيراد، ليتم بعدها تطوير هذه الآلية ووضع قائمة بهذه المواد حسب البند الجمركي لكل مادة وإصدارها بموجب الدليل التطبيقي الإلكتروني الموحد لمنح الموافقات لإجازات وموافقات الاستيراد الذي تم تعميمه على كل الاتحادات والجهات المعنية والطلب من مديرية الجمارك عدم تخليص أي مادة ليست واردة في هذا الدليل وبموجب إجازة استيراد أصولاً. انتفاء أي دور للعامل الشخصي في تحديد إجازات الاستيراد الممنوحة انعكس على وفرة المواد في الأسواق وعدم حصول أي اختناقات في تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي وهو ما انعكس إيجاباً على انخفاض الأسعار في الأسواق وعدم احتكار أي سلعة من قبل أي مستورد، وأخذت العديد من الصناعات في التعافي تدريجياً وطرح منتجاتها في الأسواق بعد عودتها للعمل كالزيوت والسمون والصناعات الغذائية وصناعة الألبسة وبعض الصناعات الكيميائية. كما تم السماح باستيراد بعض أنواع الخيوط دعماً لصناعة النسيج للمعامل التي تستخدمها لإنتاج النسيج ولا سيما بعد العودة للعمل في معامل المنطقة الصناعية بحلب والتي تحتاج لـ (لخيوط القطنية الكومباكت والخيوط القطنية الملقطة بالليكرا والخيوط القطنية المصبوغة بطريقة الأنديكو على مطاوي السدة)، وحذف عدد من المواد التي أصبح الإنتاج المحلي منها كاف مثل أقمشة المفروشات والستائر والأقمشة المصدرة بعد أن تم تقديم التحفيز اللازم له لاستعادة عافيته. الاعتماد على أسس اقتصادية سليمة تحمي المنتج المحلي كان المعيار الذي تم من خلاله مراجعة كافة المواد الموجودة في قوائم الاستيراد وعلى التعرفة الجمركية، فتم اعتماد 3700 مادة من أصل6800 مادة يوجد ضمنها حوالي 75% من المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج الخاصة بالقطاعين الصناعي والزراعي، و25 %مواد غذائية أساسية وبعض أنواع الأدوية غير منتجة محلياً، وأنواع الأعلاف والصناعات التي يوجد لها إنتاج محلي ولكن لا تغطي حاجة السوق. وزارة الاقتصاد اتخذت العديد من الإجراءات بالتوازي مع هذه الآلية بهدف تنشيط حركة التجارة الخارجية وتسهيل انسياب هذه السلع الضرورية إلى الأسواق وأهمها اعتبار مدة إجازة الاستيراد سنة بدلاً من 3 أشهر والسماح بتخليص البضائع المشحونة منها دون تمديد إجازة الاستيراد ولمدة شهرين بعد انتهاء الإجازة، واستثناء مستوردات الصناعيين من شرط عدم حصول المستورد على إجازة استيراد حتى تخليص الكمية السابقة والسماح لهم بالحصول على أي عدد من الإجازات يرغبون بها وفق مخصصاتهم الصناعية، وقبول وثائق التأمينات من الصناعيين مرة واحدة في العام وليس لكل إجازة، وإعفاء الآلات المستوردة من الرسوم الجمركية لمدة عام وإعفاء مستوردات الصناعيين من مواد أولية ومستلزمات الإنتاج من الرسوم الجمركية لمدة عام بنسبة 50% من الرسوم الجمركية، والسماح للصناعيين ولغرف الصناعة باستيراد الغاز والمازوت والفيول والكاز ولمربي الدواجن باستيراد المازوت تلافياً لأي اختناقات قد تحصل في توفير المادة قد يؤثر على استمرار العملية الإنتاجية. وبهدف تخفيض التكاليف على الصناعيين وتخفيض قيم السلع المنتجة لديهم عند إنشائهم خطوط جديدة أو تبديل آلات من خطوط إنتاج تعرّضت للتدمير خلال الحرب، تم السماح باستيراد الآلات المستعملة واستثناء المواد التالية (البذور الزراعية - المبيدات) من شرط عدم حصول المستورد على إجازة استيراد قبل تخليص الإجازة السابقة وذلك دعماً للإنتاج الزراعي بما يؤمن وفرتها في الأسواق، واستثناء الأدوية وحليب الأطفال من شرط عدم حصول المستورد على إجازة استيراد قبل تخليص الإجازة السابقة وذلك حفاظاً على الصحة العامة وحياة الأطفال. وفي سياق متصل وضمن الجهود الحكومية الرامية للتحضير للدورة 61 من معرض دمشق الدولي لتكون أميز من سابقاتها في كل النواحي أصدرت وزارة الاقتصاد قراراً بمنح موافقات إجازات الاستيراد للدول والشركات الأجنبية المشاركة في الدورة الـ 61 ، حيث تم السماح للدول والشركات الأجنبية المشاركة بوضع معروضاتها بالاستهلاك المحلي مباشرة إن رغبت بذلك للبضائع والمواد المسموح باستيرادها وفق الدليل التطبيقي، ويتعهد المستوردون وفقاً للقرار ببيع مستوردات المعرض خلال المدة المذكورة وفي حال عدم البيع يتم تسليم المتبقي منها إلى السورية للتجارة أو المؤسسة العامة للتجارة الخارجية بسعر التكلفة وفي حال عدم تسليمهما تتم مصادرتها من قبل الجمارك، واعتبر القرار المعروضات التي يرغب أصحابها بوضعها بالاستهلاك المحلي مشمولة بالإعفاءات من الرسوم والضرائب المماثلة إذا كانت البضاعة واردة من منشأ ومصدر إحدى الدول العربية المنضمة لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى أو من منشأ ومصدر إيران استناداً لاتفاقية التجارة الحرة مع سورية. التعافي الذي يشهده الإنتاج المحلي فرض إعادة هيكلة قطاع التجارة الخارجية (استيراداً وتصديراً) للتخلص من الإجراءات الاضطرارية التي فرضتها صعوبات الحرب لجهة توفير السلع الأساسية للمواطنين بعد التدمير الإرهابي الممنهج الذي تعرّضت له المنشآت الصناعية على امتداد القطر، والتأسيس لاقتصاد أكثر متانة يتمتع بمقومات التطور والخروج من أي أزمات محتملة، وهو ما يجب على القائمين على رسم السياسات الاقتصادية إيلائه أهمية أكبر خصوصاً خلال المرحلة القادمة التي تتطلب جهوداً متكاملة من كل الجهات المعنية لتوفير متطلبات إعادة إعمار سورية. |
|