تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي.. لترميـــم الفــراغ الفكــري..وجعـــل الحقيقـــة تقــف علــــى قدميهــــا..

ثقافة
الأربعاء 25-5- 2016
هفاف ميهوب

من الملفت، وفي هذا الزمن المدلهمّ رغم اتّساع فضائه، ألا نجدُ إلا قلّة ممن يُشعروننا بأن النور لايزال يحكم عقلنا، وبإصرارهم على مجابهة أهل الظلام، أو من ادَّعوا الثقافة دون أن تعكس أفكار كلّ منهم أو أفعاله، إلا ما يثير حولنا الموبوء من أهوائه.

للأسف، هذا ما بات عليه حالنا إلى أن أصبحنا نبحث عمّن يجذبنا إلى عمقِ وعيه، وبما يطرحهُ عبر مختلف وسائل الإعلام، وسواء الإلكترونية أو الفضائية، نبحثُ عنه إلى أن نجده ونتابعه، وهو ما وجدناه مُذ بدأنا بمتابعة «إلى حدٍّ ما» البرنامج الحواري - الثقافي - الفكري، وبامتياز معالجته للكثير من القضايا التي يُفترض أن تلفت وتهمّ، نسبة عالية من شرائحنا الاجتماعية.‏

حتماً، لم نتابع جميع حلقات البرنامج وإنما بعضها وبما أكّد لنا، بأنه الأكثر تناولاً للمواضيع التي تهمّنا والتي نختارُ منها، تلك التي بحثَ فيها مُعدّه ومقدمه «نضال زغبور» ومع ضيفته الأديبة الدكتورة «ناديا خوست»، ماأريدَ منه ترميمِ الفراغ الفكري، ومن خلال مناقشة دور الإعلام السياسي والثقافي، وسواء الذي لعب دوراً قاتلاً لسوريتنا أو ذاك الذي تحدّى وواجه مسرحيات الحقد والدم التي جُسدت على أرضنا إلى أن أغرقتنا..‏

أيضاً، وفي حلقة لاحقة، سعى «زغبور» مع الأديب. د: «نضال الصالح» رئيس اتحاد الكتاب العرب، للخوض في «بورصة العناوين والمصطلحات» وبكيفية ترسيخها لاستلاب العقل العربي والكذب عليه وخداعه، ومن قِبل سوق الاحتكارات الإعلامية. تلك التي أسرفت بالمزايدات والمزادات. المزادات التي استقطبت لتسويقِ أضاليلها، أشباه المثقفين والمدَّعين والمنقادين إلى البراَّق من المفردات.‏

في هذه الحلقة، وككلِّ حلقة، يطرح «زغبور» سيلاً من الأسئلة التي ولأنها كانت مُشبعة بالجرأة والصراحة والاستفزاز الإعلامي، أتت الأجوبة عليها, مشبعة بالتحليل والجرأة والمنطق الصادق والواعي.‏

إنها الأسئلة التي كان من الطبيعي وفي هذا الوقت الذي بدأ فيه حتى الإعلام الالكتروني الممنهج بالسعي لمحاربتنا، أن تستفهم عن دور مصطلحات هذا الإعلام ومفاهيمه المغلفة بجاذبيتها. دورها في التمهيد لحروبٍ تحتاج لوعيٍ في معرفة من يروج لها ويعمل عليها ويوجهها، ولكشف مخبوءاتها والأهداف التي وراءها وتسعى لشنِّ حروبٍ موجهة ضد تاريخنا ولغتنا وقيمنا وهويتنا.‏

إنه ما استفزّ بحق، الدكتور «صالح» وخصوصاً لأنها أسئلة تتعلق بالهجمة الإعلامية التي تمت مؤخراً على شبكات التواصل واستهدفت تغييب عقل السوري والعربي عن حقيقة ما يجري في مدينة «حلب» وبمصطلحات كاذبة وتضليلية.‏

نعم، إنه ما استفزّه إلى أن أعلن لكلِّ من يعرف الحقائق أو لا يريد أن يعرفها، أو حتى انقاد للمصطلحات المزيفة دون التدقيق والبحث عمن أطلقها، بأن ما كنا نحتاجه في هذه الهجمة التضليلية, هو التدقيق في مرجعيَّتها قبل تبني مصطلحاتها. التدقيق الذي أتى وللأسف متأخراً في تنبيهه إلى أنها استخدمت كحرب إعلامية داهية في سعيها لغسل الأدمغة وحرفها عن القضية الأساسية، ومن خلال استخدامها للمصطلحات التي أفرزتها الصهيونية الأخطبوطية، الإعلامية.‏

يؤكد على ذلك، ليعبّر بعدها وبالألم الصريح، عن أسفه من قدرة هذه المصطلحات على استلاب العقل العربي الذي تبنّاها دون العودة إلى مصدرها، والذي أطلقها دون وعيٍ أو تحليل أو إعمال العقل بحثاً وقراءة في عمقها وما وراء سطورها.‏

لاشكَّ أنها مهمة المثقف,المثقف الذي أكثر ماأعلن «الصالح» بأنه لا يبيعُ ولا يشتري، ولا يُؤَجِّر ولايُستأجَر لطالما، مهمة الثقافة أن تكون فعلا طهرانيا، نبويا بامتياز، ومهمة المثقف أن يجيب عن كيفية استشعار الوقت الذي يكون فيه العنوان أو النص الخطابي متغلغلا في المرارة. مهمته أن يجيب: «عندما يُمعن النص أو العنوان في روحانيته. عندها، أي فكرة، ثقافة، قيمة، تستطيع أن تنفذ إلى أعماق متلقِّيها، وأن تلامس جذراً من روحه».‏

كل هذا والكثير الكثير، تابعناه في هذه الحلقة التي لا نريد الغوص في كلّ ما بُحثَ فيها من أسئلةٍ وردودٍ كانت جداً جريئة وباحثة عن الحقيقة. حقيقة الشركات الاحتكارية الكبرى التي تصنّع الأخبار وتستأجر من ينشرها ليُضلِّل بها العقل العربي والعالمي. العقل الذي يصدقها دون معرفة مصدرها الحقيقي.‏

أيضاً، هي أسئلة أرادت وسعياً لترميم فراغنا العقلي، التأكيد على ضرورة الاستعداد لمواجهة هذه الحروب ومصطلحاتها التضليلية، وعلى كيفية مواجهتها وخصوصاً من قِبل مؤسساتنا الإعلامية. أسئلة، أرادت البحث في أكثر من مشكلة نعاني منها ومنها «المعارض التي بدأت ومنذ أكثر من عشر سنوات» بتسويق لعناوين رخيصة ومخجلة وبمضامينٍ جاهلة وشعبية أو دينية.‏

بكل الأحوال، نختم وبما أعتقد بأنه يفيد ولو «إلى حدٍّ ما» كل مشاهدٍ سوري، وبما ختم به الإعلامي «زغبور» وبسؤاله عن دور الإعلام والمثقف العربي، ومتى يتوجب أن يكونا على أهبة الاستعداد لمواجهة كل ما هو غير متوقع. نختم بإجابة الدكتور «الصالح»: «من المؤسف أن كُثرا من المشتغلين بالثقافة والإعلام، يقدمون امتيازاتهم الشخصية على العامة، فبدلاً من أن يجعلوا الحقائق تقف على قدميها، يجعلونها تقف على رأسها. المثقف والإعلامي وأيضاً المواطن، يُفترض أن يكونوا جميعاً على أهبة الاستعداد، لمواجهة مانتوقعه وما لا نتوقعه..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية