تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ائتلاف الثمانين وعمالة المستكينين

دراسات
الأحد 13-9-2015
بقلم: عبد الرحمن غنيم

إذا نحن أردنا أن نحدّد الدول المبتلاة بداء التبعية لأميركا والعمالة لها والخضوع لإملاءاتها، فإنه يوجد الآن مقياس واضح لهذه التبعية. وهذا المقياس يتمثل عملياً في تلك الدول التي جندتها أميركا في إطار ما عرف بـ « ائتلاف الثمانين »

لشن الحرب الكونية غير المباشرة على سورية، والتي حدّد لها السيد الأميركي الذي يستعبدها الأدوار التي تقوم بتنفيذها.‏

الآن، وبعد مرور قرابة أربع سنوات ونصف السنة على بدء هذه الحرب القذرة، بل الأقذر في تاريخ البشرية، لما مورس فيها من خداع وتضليل وجرائم مروّعة، نستطيع القول دون تردّد أن هذه الأنظمة بشكل عام حافظت على تبعيتها للسيد الأميركي، ولم تجرؤ على التمرد عليه والتخلي عن طاعته. فمن قطع علاقاته الدبلوماسية مع سورية لم يجرؤ على استئنافها باستثناء المحاولة التونسية الجزئية الخجولة في هذا الاتجاه. ومن شارك في فرض العقوبات الاقتصادية على سورية لم يجرؤ على إلغائها. ومن ادّعوا أنهم أصدقاءٌ لسورية وفق معيار الصداقة المزيّف الذي حددته لهم أمريكا، والذي يعني عملياً معاداة سورية، ظلوا خاضعين للمعيار الأميركي لا يجرؤون على خرقه حتى ولو تشكلت لديهم القناعة بأن سورية على حق وأميركا على باطل. والذين انغمسوا في تصدير الإرهاب بكل أنواعه إلى سورية يواصلون هذا الانغماس مطمئنين إلى رضا أمريكا أو متجنبين غضبها.‏

والآن، لنطرح على أنفسنا السؤال البسيط التالي : إذا افترضنا أن أميركا قررت فجأة لسبب أو لآخر أن توقف حربها غير المباشرة على سورية، وأن تعيد سفيرها إلى دمشق، وأن تلغي عقوباتها الاقتصادية وغير الاقتصادية، فما المسلك الذي سينتهجه أعضاء « ائتلاف الثمانين » أو « ائتلاف التابعين المستكينين »؟.‏

بالتأكيد أن هؤلاء التعساء، جميعاً دون استثناء، سيسارعون إلى مدّ الجسور باتجاه دمشق، محاولين وصل ما انقطع.‏

وهنا سنكون مرّةً أخرى أمام مثال يؤكد عمالة هؤلاء وتبعيتهم. فهم عملاء لأميركا خاضعون لإرادتها في السرّاء وفي الضرّاء، في الكرّ وفي الفرّ، وبلغة أهالي ويلز فإنهم « دين حيص بيص » أي ثابتون في الهجوم والتقهقر، ولا يمكنهم أن يكونوا أصحاب قرار مستقل. وبتعبير آخر، فإنهم جميعاً موضوعون في الجيب الأميركي تتولى تصريفهم وتحدد لهم أدوارهم كما تشاء، ولا توجد عندهم إرادة حرة مهما كان حجم هذه الإرادة صغيراً. فأميركا تعاملهم عملياً معاملة العبيد الأرقاء، أو هم من ينطبق عليهم الوصف القائل بأنهم « عَبَدُ الطاغوت ».‏

هل اتضحت الصورة كلياً حول موقف عّبَد الطاغوت هؤلاء؟.‏

في الواقع أنه ما زال هناك ما يقال، وما ينبغي أن يقال. وهذا الذي ينبغي أن يقال ينبثق من طرح السؤال التالي : أين تقف إسرائيل من أميركا وائتلاف الثمانين الذي تقوده أميركا؟. هل هي أحد أطراف هذا الائتلاف ينطبق عليها ما ينطبق على أعضائه أم أن لها وضعاً مختلفاً متميزاً؟.‏

قبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أن نذكر وأن نتذكر أن الرئيس الأميركي وأركان إدارته يصرّون بمناسبة وغير مناسبة على التأكيد بأن ما يحكم سياستهم تجاه منطقتنا يتمثل في المصلحة الأمريكية وضمان أمن إسرائيل.‏

لندع مصلحة أميركا كتعبير عائم غائم جانباً، فما من أميركي مهما كان غرّاً لا يفقه في السياسة شيئاً يمكنه القول إن مصلحة أميركا تتطلب نشر الفوضى في الشرق الأوسط، وما من أميركي غرّ يعتقد بأن مصالح أميركا الوطنية تعرّضت للتهديد بما أوجب عليها شن الحرب على منطقتنا سواء كانت هذه الحرب مباشرة أو غير مباشرة. فكل أميركي يعرف أن ما تقوم به أميركا في الشرق الأوسط مرتبط حصراً بما يدّعون أنه «أمن إسرائيل». وإضافة الى ما سبق، فإن كل أميركي يعلم أن اللوبي الصهيوني الإسرائيلي هو المهيمن على القرار السياسي الأميركي، وخاصة في الشرق الأوسط.‏

هنا في الواقع نحن أمام حقيقة تقول إن الإدارة الأمريكية في قراراتها تجاه منطقتنا تخضع للإرادة الصهيونية، وإنها في سلوكها العملي تعمل من أجل تحقيق أهداف إسرائيل. وهذا يعني أنه ما من قرار أميركي مستقل حين يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط وأهداف إسرائيل.‏

يقودنا هذا الاستنتاج إلى القول إن أميركا التي تزعم أنها الدولة العظمى الوحيدة في العالم، تنقاد وراء الصهاينة انقياد عبودية. وهذا يعني أنها هي نفسها ومعها كل أعضاء ائتلاف الثمانين المسترقين لها هم في وضعية عَبَد الطاغوت بالنسبة للصهيونية العالمية. فكل الخاضعين لإرادة أمريكا غير المستقلة حين يتعلق الأمر بالصهاينة خاضعون منطقياً للإرادة الصهيونية المهيمنة على أمريكا. وعندئذ، نستطيع أن نفهم ما يحدث في منطقتنا بكل أبعاده، بما في ذلك حرب آل سعود على اليمن، وحرب الإرهاب داعشياً كان أو غير داعشي على مصر وتونس والجزائر واليمن وسورية والعراق ولبنان وليبيا وغيرها، على أنها جميعاً حروبٌ تشن لحساب المخطط التوسعي الصهيوني الذي يستهدف بلادنا. وانغماس ما يسمى « ائتلاف الثمانين « بأشكال مختلفة ومتنوعة في هذه الحرب إنما يخدم المخطط الصهيوني.‏

ألا يقودنا هذا إلى الاستنتاج القائل بأن قيام الولايات المتحدة وعملائها في ائتلاف الثمانين أو من جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية التكفيرية بممارسة الإفساد في أرضنا.‏

وإن غاية هذا الإفساد إنما هي على وجه اليقين محاولة تمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل. وكل الأطراف العربية والإسلامية وغيرها المنغمسة في ائتلاف الثمانين وراء أميركا إنما تلعب دور العملاء المستكينين الذين قبلوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات لهذا الإفساد، ولا يبدو أنهم يجرؤون على التمرد حتى وإن تكشفت لهم حقيقة الهدف الذي تسعى إليه واشنطن لحساب إسرائيل.‏

لقد كشفت المصادر الرسمية الأمريكية مؤخراً عن نية الولايات المتحدة في دفع الدول الإقليمية التابعة لها في ائتلاف الثمانين المستكينين إلى زج قوات برية لهم في سورية بدعوى محاربة داعش، وأن القوات البرية الأمريكية لن تشارك هؤلاء في عملياتهم. ونحن نفهم بطبيعة الحال الأبعاد العدوانية الحقيقية وراء هذا التوجه الذي ذكرت واشنطن أنها تسعى إلى حصول تغطية له من خلال الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يعني أنها تسعى إلى تفادي الفيتو المزدوج الروسي الصيني في مجلس الأمن. وواضح أن واشنطن مطمئنة إلى أن ائتلاف الثمانين سيستكين وسيصوت لمشروع قرارها العدواني الذي تريد تمريره تحت ذريعة محاربة داعش، وهي في الحقيقة من الكاذبين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية