|
ثقافة كلمات مرتبكة، تمتلئ روحا سينمائية غريبة، ليست مجرد لحظات حب ساحر، انها توحي اليك وهي في عز اندماجها مع سعادة فريدة، ان شيئاً ما مقلق، قد لا تمر الكاميراعليه، ولكنك ستشعر به بشكل ما..! انها كاميرا المخرج تيرنس ماليك، في فيلمه باتجاه عالم الدهشة To The Wonder، الذي عرض في مهرجان «أفلام حديثة من الشركات العالمية» الذي تستضيفه دار الاوبرا..!
ما بين الكلمات المروية على لسان البطلة اولجا كوريلينكو ومشاهدها العاطفية مع بطل الفيلم بن افلك.. نعيش مع مشاهد ساحرة، تقدمها الكاميرا بعفوية، وكأننا نتابع حالة الشغف من داخل الفيلم لا من خارجه.. نحن طيلة الوقت مع بطلي العمل (مارينا ونيل) اما القس فهو يظهر في مشاهد قليلة، ولكنها معبرة تعطي معنى مغايرا لعلاقة ملتبسة مع الوجود ككل..! حين يركز الفيلم على حالة البطلين فانه يدخل بطريقة فلسفية-روحية الى علاقة مختلفة.. وهذا لايعني اننا لن نعيش مع تقلبات الحب المجنونة.. ! جمالية العلاقة وعمقها يرافقه منذ البدايةرؤية بصرية وجمالية مكانية يبدو فيها بطلا الفيلم أحرارا بالكاد يلتفتان الى أحد -رغم وجودهما -، لاشئ يشتت روحيهما..! الفيلم يدخلنا معه في هيكلية ذهنية وتركيبة روحية يصر عليها المخرج.. تترافق مع مونولوج داخلي بصوت البطلة، لايغيب حتى ونحن مع مشاهد استعادية لعلاقة قديمة ربطت بين زوجها واحدى الفتيات في قريته.. علاقة رغم عمقها تبدو هامشية مقارنة مع علاقة الحب الاساسية التي يقدمها الفيلم بطريقته المميزة.. ما بين باريس و اوكلاهوما في امريكا نحن مع حالة مكانية، تتداخل مع طبيعة علاقة البطلين.. وان لم تختلف في مراحل الحب الاولى بين الفتاة الفرنسية-المطلقة التي أنجبت طفلة تبلغ العاشرة والتي تخفق في ايجاد عمل، وبين الشاب الامريكي، الذي لفته اختلافهما ربما..اللغة في البداية تبدو مختصرة، مكثفة..لا اهمية لها، لأن الفيلم يدخلنا الى مناطق حسية لاتحتاج الى مفردات كثيرة، هكذا يبدو اختلافه عنها سر الانجذاب..
و العلاقة في البداية لم تهتز بفعل تغير الامكنة على العكس من النهاية..أما الذاكرة والذكريات.. فقد لعبت دورا رئيسا، في لحظات عديدة لاندري هل تعيش البطلة حالتها الان، ام انها مجرد ذكرى تعبر خيالها..؟ امر يبدو أن الفيلم يصر على عدم توضيحه، ربما رغبة منه في عدم التفريق بين الان والمستقبل والماضي.. كلها معاني الحياة المتشابكة والتي تودي بنا في النهاية بشكل من الاشكال الى حالة صعود وهبوط عاطفي قد لايكون لنا يد فيه..! أصر الفيلم على الفضاء المفتوح اذ أننا نادرا ما نتواجد معهم داخل المنزل، حتى عندما نكون داخله نحن معهم، غالبا تغيب الاغراض التقليدية للمنزل، وكأنهما لاينتبهان اليها.. ومع اننا مع ثلاث شخصيات رئيسة الا اننا لانشعر أبدا أننا معهم فقط، يتواجد كثر ولكن حركتهم تبدو غير مفهومة، متخبطة-سريعة.. ورغم خلو الفيلم من الاحداث أو التسارع الدي اعتدناه في السينما المعاصرة عموما، الا اننا طيلة الوقت نبقى مستمتعين مع تلك الحالات الانسانية التي تحرك أعماقنا، وتجعلنا نلتقط نكهة اخرى للحياة، بعيدا عن ماديتها، وعمليتها التي باتت تصنفنا وفق معايير الجودة الصناعية لا أكثر.. معهم نادرا ما نرى البعد الحياتي للعلاقة وكأننا فعلا ارتفعنا مع البطلة من الارض.. هكذا يغيب البعد الواقعي.. لنعيش مع النقلات العاطفية فقط..، هي المحور والاساس.. والباقي مجرد تفصيل لا اهمية له.. ولكن فجأة تهتز عوالم الحب.. ونكتشف خطأنا اذ ان حالة الحب التي اعتقدناها أبدية-هاهي تبدا بالانهيار ويتخللها خيانة، وشجار.. ! لاشئ يبقى على حاله، العواطف تشبه الحياة في جرياتها وتبدلها.. ! كل شيء متبدل..! والثبات مجرد ملل وجمود..! حتى في العواطف..! يتبدل لونها.. ويتغير حالها.. وتحتاج الى المزيد من الذكاء والروحانية لاعادة اللهب الذي ذكرته البطلة في البداية..! اذا قذفتنا قصة الحب -التي بدت للوهلة الاولى بسيطة-حالمة في قضايا وجودية مهمة، لايقين نهائي، انه يحتاج الى ايمان من نوع خاص.. ايمان قد نبقى عمرنا كله، نبحث عنه..! وضعنا الفيلم في خضم أسئلة وجودية بطريقة تأملية غارقة في رومانسية صنعها المخرج تيرنس بطريقة لافتة.. أزمات كثيرة نراها تحيط بنا من خلال عمق عاطفي-ذهني، يدخل في تواطؤ مع كاميرا تقدم لنا مشهدية مبهرة، ببساطة وعفوية تترافق مع صوت البطلة الاقرب الى الهمس.. وكأن هذاالصوت يتواطئ مع الطبيعة التي تعطيك من روحها فتبدو خلال تواصلك معها أصفى من اي وقت آخر..! يبدو المخرج الامريكي تيرنس ماليك، كأنه باولو كويلو السينما.. كلاهما يغوص في عوالم الانسان الروحية، بطريقة اقرب الى الفلسفة، الأول بكاميرته التي تبدو وكانها تنتقل بين المشاهد بطريقة تستخدم الفضاء المفتوح، والثاني بكلماته المبدعة التي تفتح الاذهان روحيا الى أقصى حد.. ماليك..المخرج الامريكي الذي تجاوز السبعين صنع طيلة حياته سبعة أفلام، ابتعد فيها عن المواصفات الهوليودية السائدة، ليعبر عن رؤية خاصة للعالم، تتعلق بمعان عميقة حول الحياة، بطريقته المرهفة الصادمة، ليبدو وكانه فيلسوف سينمائي -معاصر.. |
|