|
كواليس لكن الهجرة هنا .. أي من سورية إلى الغرب الاستعماري، تقدم مشهدا أكثر مأساوية، وموتا، وذلا كاسرا للروح حتى العمق .. هذا الغرب الذي يفتح اليوم بواباته للهجرة، يمارس بنزعة عنصرية سحق روح الإنسان السوري الموغلة في الحضارة قبل الآلاف السنين.. في الهجرة نحو الشمال مع الطيب الصالح جوع وتعب وفقر وأحلام، لكن في التغريبة السورية، لعبة خبيثة تديرها أصابع الشياطين الذين أطلقوا على انفسهم (أصدقاء سورية) فالمأساة السورية أشد وجعا من رحلة دانتي إلى الجحيم في الكوميديا الإلهية.. فهي كوميديا الجحيم السورية، يرسمها الغرب، بالتعاون مع أنظمة عربية وإقليمية، وأحزاب، وقوى إرهابية عديدة في جوهرها صناعة غربية صهيونية خليجية. المأساة اليوم تكبر وتتسع، ونزيفها لم يعد دماءـ وبشرا وحجرا على امتداد الأرض السورية .. بل بات نزيفا من نوع أكثر خطورة على الوطن السوري،والروح السورية ... وبتعبير أدق، بات التهجير السلاح الأكثر خطورة.. فهو يستهدف مستقبل سورية الوطن، والتاريخ، والوجود الحضاري والإنساني، تحت عناوين في ظاهرها الخير وفي باطنها الشر المستطير. إلى وقت قريب، كانت الدول الأوروبية تمنع وصول المهاجرين السوريين من دخول أوروبا.. وترى فيهم قنابل بشرية موقوتة، عبر تخوف من تحول كثيرين من هؤلاء المهاجرين بحسب رأي تلك الدول إلى عناصر إرهابية. ومن الأسباب الأخرى: تخوف تحول البلدان الأوروبية المسيحية إلى بلدان غالبية سكانها من المسلمين، وبالتالي إلى أوروبا إسلامية، ومن الأسباب أيضا، التخوف من انخفاض فرص العمل أمام اليد العاملة الأوروبية، وانخفاض الخدمات الاجتماعية بسبب المهاجرين الغربان. إلى هنا تبدو كل تلك الأسباب معقولة، وربما منطقية، ومن هنا، نستغرب اليوم، إلى حد الاندهاش ما الذي حصل، لتتبدل أراء تلك الدول الأوروبية، ودعوتها إلى احتضان اللاجئين السوريين مهما بلغت أعدادهم ..هل تيقظت ضمائرهم، ونمت لديهم الحالة الإنسانية، عبر مشهد الطفل المرمي على الشاطئ؟! إذا كانت القضية في الموضوع الإنساني، لماذا لم تلتفت تلك الدول إلى اغتصاب النساء في العراق وسورية.. وذبح الأطفال السوريين وتلك التفجيرات التي تطال الأطفال في مدارسهم، أو في الطريق إليها ، وأطفال رياض الأطفال.. في كل يوم في سورية مذابح موجعة للروح والعقل والقلب .. ولماذا مازالت تلك الدول تمارس الحصار على الشعب السوري ومنع وصول الأدوية البشرية، وحليب الأطفال، وكل مايخدم حياة المواطن السوري في عيشه وغذائه ودوائه ؟؟!! لماذا لاتنصرف تلك الدول لمعالجة الأسباب التي تؤدي إلى هجرة السوريين. ولماذا بقيت تلك الدولة في موقف العداء لسورية الدولة، والعمل على تدميرها، ودعم المنظمات الإرهابية، وإعطاء الضوء الأخضر لأصدقاء لها من دول الجوار بإغلاق حدودها أمام الأموال والسلاح والقتلة لمنعهم من دخول سورية، ولماذا زادت أعمال الإرهاب الدموية، واتسعت رقعته على الأراضي السورية بعد تشكيل مايسمى بالتحالف الدولي ضد الإرهاب .. ولماذا بات النظام التركي والكيان الصهيوني أكثر دعما لفصائل الإرهاب على امتداد الأراضي السورية من الشمال حتى الجنوب.. ولماذا يعمل الأتراك اليوم إلى إخراج السوريين من تركيا، وهم وراء إقامة مخيمات النزوح لإظهار أن السوريين يفرون من ظلم دولتهم. إن مايجري هو فصل جديد من فصول الحرب على سورية.. وربما هو الفصل الأكثر إجراما، ويظهر مدى تفجر الروح الاستعمارية لدى هذا الغرب، الذي لم يعد يستعمر الأرض وحسب، وإنما يسعى للولوج إلى عقل الإنسان وروحه للسيطرة عليهما .. ضمن صناعة (ربوت) من لحم ودم.. ينتظم في خدمة الإمبريالية المتوحشة بعد تفريغ هذا الإنسان من مكوناته الوطنية والإنسانية. |
|