|
الافتتاحية في محاكاة لا تكتفي فيها أميركا بقلب الحقائق، والمناقشة بمنطق مقلوب «كما عبر عنه لافروف»، بل تمارس أقصى درجات المجون السياسي، وهو يتدحرج على بساط من المفارقات والتناقضات الصارخة. لكنها قد تشكل مدخلاً لمرحلة جديدة، لا تكتفي حينها روسيا بالوضوح في المواقف السياسية، بقدر ما ينسحب ذلك على الخطوات الإضافية لمواجهة كل هذا الكم من التزييف للحقائق والكذب المفضوح والنفاق، حيث مخرجات المنطق الأميركي تتعدى في أيامها الأخيرة كل معايير التعاطي السياسي على الساحة الدولية، لأن سيل الافتراءات على الموقف الروسي يكشف ما هو أبعد بكثير من مواقف متعارضة أو وجهات نظر مختلفة في مقارباتها. فهذا اللغط المتعمد، وذلك الفيض الذي لا ينتهي من الضجيج على مسائل لا أحد يجادل فيها أو ينفيها، ولا أحد يناقش في وجودها من عدمه، لأنها تتم علناً وأمام الجميع، ووفق معايير القانون الدولي الذي أوضحته الدبلوماسية الروسية على مدى أسابيع خلت، كل هذا يعيد رسم المشهد على فوهة من التكهنات الإضافية في سياق البحث عن تفسير لذلك الهذيان السياسي، وفي المقدمة ما يُروَج له في الأروقة الغربية من أن الحركة الروسية أفسدت ما كان قد أعد في تلك الأروقة من مخططات إضافية لتفجير المنطقة. والمعضلة أن الخطاب الأميركي لا يزال يجول في ردهات التهمة، فيما الأحداث والتطورات تتجاوزه في الكثير من المحطات، فلا يخرج من مأزق نص مشبوه حتى يدخل في طور قرينة إضافية، تعيد فتح الملفات المنسية والأوراق المؤجلة، خصوصاً ما يتعلق منها بحالة النفاق السياسي المتعمد الذي أوصل الرؤية الأميركية في معظم الأحيان إلى الحائط المسدود، وترك مساحة من الازدواجية في قراءة أبعاد واتجاهات الموقف الأميركي. فالمحاكمة التي تقدمها لشرح ما يحيط بمواقفها من ملابسات، تصل حدود الخلط بين الواقع والافتراض، وتحاكي صلفاً غير مسبوق في السياسة التي تتكئ عليها للمناكفة مع الروسي، في سلسلة من التحديات الناتجة عن انفلات الخيوط المتشابكة رغم قفازات السياسة التي تتجمل فيها، وهي تتهيأ للحرب، ورغم مشهد التكاذب السائد، وهي تتعمد النفاق في حالة من الارتياب في كل ما يحيط بها. بهذه المقاربة لم يعد وحده المنطق الأميركي المقلوب كما وصفه وزير خارجية روسيا، بل ثمة حالة من السير المعكوس التي تتراقص فيها السياسة الأميركية على حافة الهاوية، وهي تنقل الصراعات في المنطقة والعالم من كتف إلى آخر من دون أي تعديل في المقاربات التي تحكمها، خصوصا حين تحاول أن تبرر ليكون التبرير أكثر استدراجاً للتهمة من نفيها... وأشد تأكيداً على المنحى التصاعدي للفشل والعجز الذي يلاحق رهانها على الإرهاب وأدواته. فحين تلوح في الأفق الخيارات السياسية، ويميل المزاج الدولي نحو تقبل الحلول السياسية والبحث بجدية عن مساراتها، وسط هذا الركام من بؤر الاشتعال والتفجير، نجد الأميركي يذهب نحو تأجيج نقاط اشتعال مفترضة ومفتعلة، ويميل بشكل تلقائي نحو التصعيد، سواء كان عبر العودة إلى ما قبل المربع الأول في الطرح.. أم من خلال التلويح بدور أدواته في دعم الإرهاب. ورغم أن التفسيرات الأميركية لدواعي خوفها وقلقها المفتعلة والكاذبة من الدعم الروسي لسورية في مواجهة الإرهاب، لا تحتاج إلى كل هذه المساحات من الشرح، لكنها حين تصل الأمور إلى البدء بقراءتها بالمقلوب، وحين تتجاهل الأسباب، وتحاول أن تصادر النتائج، لتكون على مقاس خطابها الموتور، فإن الحديث الروسي يصبح رسالة لها أبعادها، ومشهداً يستند إلى ما تراكم من فائض أوراق القوة الروسية في السياسة الدولية، ولا نعتقد أن هناك ما يحتاج حينها إلى شرح أو تفسير، ولا يوجد ما يستدعي الجدل أو النقاش خارج مساحة ما هو متداول. عند هذه النقطة بالتحديد تقف المقارنة المفروضة لتلتقط الفارق بين موقف روسي يحاكي هواجس ومخاوف يُجمع عليها العالم من الخطر الداهم الذي يشكله الإرهاب بتنظيماته المختلفة، وبين خطاب أميركي ينزلق في درجات الهرولة وراء افتراضات متناقضة ومزاعم كاذبة، حيث الكرة المتدحرجة تجعل أي نقاش خارج سياق المنطق، ووفق معادلة تسير بالمقلوب.. وطرحها للعلن روسياً قد يصلح ليكون بداية لتصحيح المسار. |
|