تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحقيقة التي يتعامى عنها الجهلاء

الأحد 15-9-2013
سلوى خليل الأمين

ما زالت الحقيقة مطموسة في غياهب الفجور، ومازالت الافتراءات سيدة المواقف، ومازال الحق ضائعاً منذ بدء التاريخ، وما زالت القوة التي ملكت السيطرة الاحادية الكونية التي بدأت تتداعى اليوم هي التي تتحكم بمصائر الشعوب

، وهي التي تحدد اصطفافات القوى البشرية خلفها، حيث حقيقة الأشياء لا تستند إلى المفاهيم الصحيحة ولا إلى المضامين الواضحة، وحيث اللحاق بأولياء الأمر الأقوياء هي من وسائل حفظ رقاب القابعين على العروش، الذين يظنون أنهم بثرواتهم النفطية والغازية قادرون على إصدار القرارات وتدويرها بالشكل الذي يبغون، علما أنهم أدوات ليس إلا، تحركهم أصابع القوة الكونية في اللحظات المطلوبة، وتجعلهم يرددون الكلام، دون تبصر وبصيرة، كالببغاوات تماما ،بغض النظر عن ازداوجية الصور والمعايير التي يستعملها المحرك الكوني الأعظم، والتي لا تضعهم في الإطار المرتجى، بل تجعلهم أدوات التنفيذ على طريقة : مكرهاً أخاك لا بطل.‏

كلامي هذا نابع من معاناة يومية، حطت رحالها على عالمنا العربي الذي هزلت فيه مفاهيم الفروسية والكرامة وسقطت من صحائفه المضمخة بمجد العصور الغابرة، حيث بات معظم حكام وطننا العربي، إلا قلة قليلة منهم، تتبع القوة العالمية الضاربة التي هي الولايات المتحدة الأميركية، التي ما زالت المهيمنة على نهب ثرواتهم النفطية والغازية، عبر أوامر عليا تسلط عقوباتها على مسارات حياتهم وعروشهم القائمة على ركائز من رمال، تذوب في مياه البحار في اللحظة التي تصدر فيها الأوامر العليا.. متى شاء القدر، التي هي كما يدعون، ظل الله على الأرض الكون.‏

أما في سورية، الدولة الممانعة والصامدة، والمؤيدة بقوة لحق الشعب الفلسطيني بتحرير أرضه، الوضع مختلف تماما، فالدفاع عن سيادة الدولة،والحرص على أمن الشعب وأمانه، واستقلال الوطن في المقام الأول، لهذا ظهرت الحقيقة بوضوح في مسارها ومسيرتها عند قيادة قادرة على الصمود والتصدي، وجيش متمسك بعقيدته النضالية، وسلوكيات شعب علم العرب معنى العروبة الحقيقية في أيام الشدة والأزمات المصيرية، والكل يعلم في الداخل السوري وعبر العالمين العربي والغربي أهمية القرارات الصعبة التي خاضتها سورية من أجل تثبيت موقعها الوطني والقومي الذي لا جدال فيه، منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وحتى اليوم، القائم على عدم اسقاط قضية الصراع العربي الإسرائيلي من الأجندة السورية، وتفعيلها المستمر القائم على دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، التي خاضت حروبها ضد العدو الصهيوني، واستطاعت تسجيل الانتصارات عليه، وخلق حالة توازن الرعب، التي جعلت العدو الصهيوني في حالة إرباك دائم، لم يصحو منها حتى اليوم.‏

لكل ما فعلته سورية عبر تاريخها العربي القومي، حاصروها بفبركاتهم الإعلامية، وثوراتهم المزيفة، وربيعهم القائم على التكفير والزيف والذبح والقتل، والإجرام الذي دفع بعضهم إلى أكل الأكباد وتقطيع رؤوس البشر باسم الثورة، التي أرادوها انتقاما من سورية النضال والصمود، التي استطاعت طيلة عامين وأكثر، من الوقوف بثبات المؤمن بالجهاد الحقيقي في وجه القوى الباغية والمستكبرة، والمرتزقة الوافدين إليها من مختلف أقطار العالم، وفي وجه الحكام العرب أيضا، الذين نفذوا المؤامرة الكونية باسم حقوق الشعب السوري جورا وبهتانا، والشعب السوري منهم براء.‏

سأقص حكاية سمعتها بأذني نهار أمس في بيروت،وسأوردها باللهجة المحكية كما سمعتها، وأضعها برسم المتشدقين بحرصهم على الشعب السوري، وبرسم جمعيات حقوق الإنسان العالمية، وبرسم المنظمات الدولية التي ظننا لفترة من الزمن أنها تعمل لصالح الإنسان المعذب على الأرض، عبر وضع الأمور الخلافية الأممية في مسارها القانوني الحقيقي! كنت أتناول الغداء مع أفراد أسرتي في مكان سياحي بحري يدعى «زيتوني باي»، وهو من أهم الأماكن السياحية الحديثة في بيروت التي لها أجواؤها الخاصة، فجأة انتبهت إلى حديث سيدتين بجواري يتحدثان باللهجة السورية، من عادتي ألا أصغي السمع لأي إنسان إلا إذا خاطبني شخصيا، لكن بحكم التجاور القريب جدا، والصوت الذي لم يكن خافتا سمعت حديثهما، قالت الأولى : «بتعرفي لقد أحسن الرئيس بشار الأسد بصموده وها هو اليوم يركع أميركا ورئيسها أوباما، يا ستي طلعولي قضية السلاح الكيماوي، ما الكل بيعرف أن من استعملها هم العصابات الإرهابيةومن خلفهم بندر السعودي وجماعته، بدهم يضحكوا علينا مثل ما ضحكوا زمان عبر وسائل إعلامهم وفهمونا أن حاكمنا ديكتاتور، وحاكمنا ظالم، وحاكمنا بيصادر الحريات، إيه ما شفنا شي منو، أجابت الثانية: دخلك نحن ما كنا مع حزب البعث ولا مع الرئيس الأسد، لكن ما في يوم اعتقلوا رجالنا ولا حدا منا، كل معتقل في السجون تبين أن له قصة ضد البلد، وبينت مواقفهم الخاينة هالشي، واحد بيشتم البطريرك اللحام، وواحد بيشتم النظام،وواحد بيقول مائة ألف قتيل، دخلك مين شردنا من حلب ومن وطننا سورية، مين صادر معاملنا، مين اعتدى على الأبرياء، نحنا كنا عايشين بمهد عيسى، أمان واطمئنان ننزل بنص الليل نسهر في الشام ما حدا يعترضنا، اليوم صرنا بلبنان لاجئين صرفنا اللي فوقنا واللي تحتنا، مصروف دون انتاج، وبعدن بيقولوا بشار الأسد هو اللي قتل وشرد وخرب سورية وقضى على الشعب السوري، ليش ما بيسمعونا بدنا نقول للكل: نحنا صرنا مع رئيسنا وهو رجل آدمي ما شفنا منو إلا كل خير وتواضع وبيحب سورية وما قبل يتركها وبيقول أنا خلقت فيا وبموت فيا إيه شو بدنا أحسن من هيك رئيس صامد وجبار وعم يحارب الكون من أجل سورية، خليهم قاعدين بالفنادق في باريس واستمبول والدوحة يتفضلوا يشرفوا عالوطن، سورية مش لعبة بايدهم، أجابت الأولى: مش بس هيك، يتفضلوا يستفتونا نحنا، نحنا الشعب السوري مش عصاباتهم المرتزقة الجاية عسورية من كل العالم خريجين سجون، والله والله راح انتخب بشار الأسد في عام 2014، وما بدي غيرو رئيس هللأ أنا بحبو لأن الحقيقة انكشفت، دخلك أحسن قطاعين الرؤوس واللي بيحطوا المسدس براس أخوتنا أهل معلولا وبيقولوهم تشهدوا، شو هيدا، هادا مش طباع السوري نحن ما عرفنا المسيحي من المسلم كل حياتنا».‏

استمر الحديث بين السيدتين على هذا المنوال، وكان صوتهما يتهدج أسى على بلدهما سورية، فنظرت إليهما وقلت لهما أنتما في بلدكم، ولبنان وسورية وطن واحد، قالتا لي بصوت واحد : لكن اختلافاتكم قاسية علينا، نشكر من هم مع سورية ونأسف لمن يتعدى على مصالحنا الوطنية، سورية أغلى الأوطان ورئيسنا أحلى الرؤساء. ضحكت، ولم أتفوه بكلمة، كي لا أزيد حساسية الموقف المؤلم الذي هما عليه، وقلت في سري ليتهما تعلمان الحقيقة.‏

مشهدية ربما يظنها القارئ انموذجا مضحكا وسخيفا سرده، لكنها الحقيقة التي يتعامى عنها الجهلاء والتي يجب أن تعمم، حيث في مدلولاتها الوطنية نجد الكثير الكثير من المعاني العميقة المشدودة إلى سورية الوطن الذي أحاطت به الأكاذيب المضللة من كل جانب، الذي لو عرف حقيقة ناسه وما هم عليه اليوم الرئيس الأميركي باراك أوباما لانحنى احتراما، وخصوصا أمام هاتين السيدتين السوريتين اللتين تمثلان انموذجا صارخا لما يعانيه الشعب السوري بعد عامين وأكثر من مسار المؤامرة الكونية الإرهابية والمجرمة على وطنه، واللتين نطقتا بالحقيقة بعفوية حارقة، هي اليوم لسان الشعب السوري بمختلف فئاته وتنوعاته، وأتوجه لهما بالقول: أحترم ولاءكما لقيادة بلدكما الحكيمة واحترم إنتماءكما الوطني العميق، نعم لقد ضللت.. سامحوني.. سابقى رجل السلام.. مهما كثرت شحنات الغضب على وطنكما من بني يعرب الذين لا مكان لهم سوى في سجلات العمالة لدينا، أسجل احترامي لقيادة الشعب السوري، هذه القيادة التي أعلم بوضوح أنها المقاومة الصابرة والمؤمنة بالشعب وحقه بالحياة الحرة الكريمة، فعلاً إنها قيادة قادرة مقتدرة، كما قال أسلافي من الرؤساء السابقين عن الراحل حافظ الأسد..اعذروني..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية