تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثلاثة أقمار تلون سماء دمشق

شؤون ثقافية
الخميس 21/8/2008
فادية مصارع

سليمان العيسى.. عبد القادر الحصني .. هاشم هارون الرشيد ثلاثة أقمار لونت سماء دمشق وشدت في أحلى أمسيات للشعر أحييوها على مدرج مكتبة الأسدالوطنية.

.ثلاث شجرات مثمرات باسقات لا تزال حبلى تعطي أطيب الثمار اليانعة و بأجمل الأشعار و أحلى الكلمات, و في مقدمتهم الشاعر الكبير سليمان العيسى الذي لفته عباءة دمشق أكثر من خمسة و ثمانين عاماً , فكان دفئها و أعطاها من صوته ما تشاء.‏

/ صوتان و صدى/‏

سليمان العيسى ( صوت دمشق ) لم يشأ إلا أن يكون محمود درويش ( صوت فلسطين )حاضراًفي الأمسية , و هو و إن انطفأ جسداً لكنه في ضمير الأمة قصيدة متجددة باقية ما بقيت فلسطين.‏

وعنه قال العيسى : إنه متنبي عصره, فالمتنبي رحل جسداً منذ ألف عام و ظلت الخيل و الليل و البيداء تعرفه, و نردد معها صداه كلما ارتعشت شفاهنا بغمغمة من غمغمات المجد أو نشيد من أناشيد الخلود.‏

وقد قرأ الشاعر سليمان العيسى القصيدة نفسها التي قرأها عشية رحيل الشاعر نزار قباني و هي ( موت شاعر ) و فيها يقول:‏

تريد أن تسألني ماذا يعني موت شاعر?!‏

قالت الأزهار يوماً.. مات شاعر‏

وحنت أوراقها حزناً عليه‏

لا تموت الكلمة .. إنها في البدء كانت‏

و ستبقى الشاعرة.‏

بطاقة حب‏

بطاقة حب أرسلها العيسى إلى دمشق عشقه الأول و هي التي لم ينسها في كل المناسبات و عنها كتب الكثير و من كتابه الصادر مجدداً عن دار الحافظ اختار لنا ( بطاقة حب إلى دمشق ) يقول :‏

يا بنت ميسلون..‏

يا أول التاريخ حياً و التي تبقى‏

و نبقى معها ل: يوم يبعثون‏

يا شام يا مرضعة القرون‏

يا بنت حطين و نيسان و ميسلون!‏

لأنك الجذور, و النشور , يشحذون‏

أنيابهم حمرا و يرغون و يزبدون‏

لن تركعي.. لن تسكتي عن ذرة ترابٍ اغتصبت‏

أو يرجع التراب حراً شامخاً‏

يا بنت ميسلون‏

/ معلقة دمشق /‏

أما الشاعر عبد القادر الحصني, فقد كان يريد أن يقدم مجموعة قصائد قصيرة, لكن أستاذه الكبير سليمان العيسى أشار عليه بأن يلقي قصيدة ( معلقة دمشق ) و كان له ما أراد فاستهلها قائلاً :‏

أسرى بطوفانك نجمها و كتابها‏

و سبالك منها كحلها وخضابها‏

هي لا أقول الحسن في ريعانه‏

لا سحرها منه, ولا أطيابها‏

هي قل بأن الحسن صوّر نفسه‏

منها, و صور حضوره يغتابها‏

و يقول عنها إنَّ سبعة أنهرٍ‏

عشاقها, ابتلت بهم أثوابها‏

ويقول عنها : قاسيون حبيبها‏

و الآخرون جميعهم خطابها‏

/ فلسطينيان و الجرح واحد/‏

أتى حاملاً جرح فلسطين و جرح غزة, و أخيراً جرحاً حديثاً فطر فؤاده و أشعل الحزن في قلبه على صديق عزيز عليه و قريب من قلبه, و قد ابتدأ كلامه عن محمود درويش قائلاً :‏

سألتنيه رثاء خذه من كبدي‏

لا يؤخذ الشيء إلا من مصادره‏

فقد شاءت الأقدار - كما يقول - و هو يستعد أن يعانق دمشق عاصمة الثقافة أن يسمع بنبأ وفاة شاعرٍ امتزج به قبل أن يخرج من الأرض المحتلة, عايش حياته و شعره مبكراً, و عندما جاء إلى القاهرة بدأ المسار الجديد, فكان الراحل شيئاً منه, و كان هو شيئاً منه أيضاً, و كان الاثنان شيئاً من فلسطين.‏

يقول الرشيد عن درويش: أحببته عندما استفز على أرض فلسطين في عروبته 1968 و صرخ ( سجل أنا عربي ) وقد حصل له الشيء ذاته عندما استفز غولدا مائير الرشيد قائلة : الشعب الفلسطيني أين هو? فكتب يرد عليها:‏

فلطسيني.. فلسطيني‏

أنا اسمي فلسطيني‏

نقشت اسمي على كل الميادين‏

بخطٍّ بارزٍ يسمو على كل العناوين‏

حروف اسمي تلاحقني‏

تعذبني.. تغذيني‏

تبث النار في روحي.. و تنبض في شراييني‏

تطاردني عيونهم لأن اسمي فلسطيني‏

فلسطيني و إن داسوا اسمي وداسوني‏

فلسطيني و إن خانوا تعاليمي و خانوني‏

فلسطيني.. فلسطيني‏

ولو بالسوق باعوني‏

كما شاؤوا بما شاؤوا‏

بآلاف الملايين‏

عاصمة العواصم‏

من غزة الشماء إلى دمشق عاصمة العواصم أتى الشاعر الكبير إلى الشاعر الكبير و قبل أن ينقلنا إلى هموم و طنه, حيا دمشق عاصمة الثقافة قائلاً:‏

آتٍ من الوطن الأسير‏

آتٍ عن الشعب الصبور‏

من غزة الشماء.. عن أهلي و عن قومي‏

عشيري.. آت‏

آت من القدس الشريف‏

من الثرى الغالي الطهور‏

آتٍ دمشق بكل أحلامي‏

بتوقٍ مستغيثٍ مستجير‏

آتٍ لعاصمة الثقافة أنت‏

في كلّ العصور‏

آتٍ دمشق إليك‏

يحملني هوى قلبي لثوابت الوطن العظيم‏

ثوابت الشعب الغيور‏

تبقين دمشق نعم المفتدي.. نعم النصير‏

تبقين في صف الفداء ظهيراً أقوى ظهير‏

وينهي قصيدة بتحية كبيرة يرسلها إلى عميد المحررين سمير قنطار مبشراً بالنصر العظيم إلى ما بعد حيفا ومذكراً بجرائم العدو الصهيوني بحق الطفولة و منهم محمد الدرة و إيمان حجو, لينتقل بعدها إلى مسقط رأسه غزة المحاصرة , مؤكداً أن الحصار لن يرهبها , و القصف لن يروعها, و هي التي صمدت طويلاً و تحدت سنين , و ستظل واقفة في وجه العدو حتى لو بنى ألف جدار و جدار.‏

ولأن القدس أم المدائن.. ولأنها مدينة الصلاة و إليها ترحل كل يوم عيون كل عربي و مسلم يحلم أن يصلي في المسجد الأقصى, و لأنها ستكون عاصمة للثقافة العام القادم , كان لا بد للشاعر الفلسطيني أن يذكرها في أمسيته قائلاً: هي ليست عاصمة للثقافة فحسب,إنها امتحان للعرب و المسلمين في كل الدنيا‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية