|
شؤون سياسية والتنمية الشاملة لم يعد قادراً على أن يستخدم حق النقض إذا استدعى الحال , أوأراد أن يعيد التوازن الذي كان معمولاً به إلى المؤسسة الأهم للشرعية الدولية وخلال هذه الفترة وصلت الغطرسة الأميركية في سياساتها الامبراطورية, إلى أقصى مدى لها حيث تجرأت على احتلال العراق دون موافقة مجلس الأمن, ولم تعد تضع أي حساب لهذه المؤسسة في الجيوبولتيكيا العالمية لها. وعبرهذا الزمن شهد العالم الحروب الإقليمية المتعددة التي غذتها أميركا, ونفخت بنارها بعد أن كانت تدعي دوماً أن الحروب التي كانت طوال الحرب الباردة بين القطبين الأعظمين روسيا السوفييتية, وأميركا من نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 إلى نهاية المتغيرات الدولية 1991 تسبب بها الاتحاد السوفييتي الذي لم تكن لديه الرغبة - كما زعموا- في إشاعة روح الاستقرار والأمن في العالم, و حين خرج الاتحاد السوفييتي من جغرافية العالم, وتاريخه اتضح أن عدد الحروب في نصف عقد من الزمان- على صعيد العالم- فاق ماقد حصل منها طوال عقود الحرب الباردة الخمسة, فمن يكون السبب الحقيقي وراءها إذاً?!. لم تعد تنطلي على أحد في عالمنا المعاصر اللعبة الأميركية التي مورست عبر حديث عن نظام عالمي جديد تصبح فيه سياسة تكامل المصالح, وتبادل المنافع ترفع إلى المرتبة الأولى في الجيوبولتيك الدولي, ثم عمل على تطويق الدول الكبرى ذات الشأن في اقتصاد العالم, وسياسته والقوة العسكرية فيه, وفي رأس هذه القائمة روسيا العملاق الذي نام بعد النتائج الدراماتيكية للمتغيرات الدولية على حلم العالم المتعدد الأقطاب لكنه لم يجتهد في السياسة العالمية للوصول إليه بمسوغ الظروف الداخلية الانتقالية, والظروف العالمية غير المواتية, ومابين حدّي هذه المعادلة تُركت أميركا بمفردها في ساحة العالم تدّمر الركائز الصحيحة لنظام العالم الذي أعلنت عنه,وعملت وتعمل عكس ما أعلنت عنه , وخاصة حين تم تصدير نظام العولمة المزمع له بأن يوحّد الحياة العالمية باقتصاد السوق الحرة, ويجعل أمم الأرض تعيش في القرية الكونية الصغيرة للكمبيوتر, ولم تكن تدري أمم الأرض أن أميركا أولاً ليست جديرة بأن تقود العالم بمنطق الشراكة العالمية, بل هي راغبة في الهيمنة عليه و حسب, ثانياً إن ماأرادته أميركا في شعار النظام الدولي الجديد كان اللافتة التي تخفي نياتها في فرض نظام الدولة, أي نظامها, ثالثاً إن ماادعته من حرص على السلام العالمي, وحقوق الإنسان والأمن والاستقرار والديمقراطية اتضح أنه طرح لتخفي فيه تطلعاتها إلى المزيد من التدخل المرفوض بالشؤون الداخلية للأمم الأخرى, والبداية من الدول التي كانت في إطار الاتحاد السوفييتي وهي تقيم مع روسيا رابطة تسمى رابطة الدول المستقلة. وفي هذا السياق المتغطرس للجيوبوليتكيا الأميركية كانت البداية من توسيع الحلف الأطلسي, وتضخيم دوره في حياة الاتحاد الأوروبي أولاً, ومن ثم مدّ رقعته حتى تحيط بالدولة الروسية الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي سابقا,ً في الوقت الذي كانت واشنطن تقنع موسكو بضرورة العمل معاً من أجل ضمان استقرار العالم, ثانياً عملت أميركا- في سياسة توسيع الحلف الأطلسي- على إشعار الدول المختلفة بأن أمنها سيكون مضموناً فيه ولا تخشى بعدانضمامها إليه أي أزمة مصيرية لها, وليتضح لاحقاً بأنها تخطط لهذه الدول بالزعزعة الداخلية لنظامها وإدخالها فوضاها الخلاقة التي أطلق عليها السيد الرئيس بشار الأسد الفوضى الهدامة. وعليه فكان الاستثمار الأخطر لهذه السياسة هو بالتوجه نحو القوقاز والمنطقة الجنوبية الغربية مما كان يسمى الاتحاد السوفييتي والتي تطل على بحر قزوين, والبحر الأسود, وهذه المنطقة بالذات تمثل المنفذ الروسي إلى العالم, ووصول أميركا إليها قد يعني إغلاق بوابة العالم على الروس, ومن ثم التحكم بتطورهم الاقتصادي, والسياسي, والاستراتيجي بوجه عام, والمهم في هذه السياسة السيطرة على جورجيا, ثم إشعال الفتن والمنازعات في المناطق القريبة من روسيا بهدف إشغالها, وتعطيل تطلعاتها الدولية نحو عالم متعدد الأقطاب خاصة بعد الفيتو المشترك مع الصين الذي أعاق مطامع أميركا في إفريقيا وأشعر العالم بأن أميركا لم تعد تنفرد بالقرار الدولي كسابق عهدها, وأضاف الروس: هذا الحسم العسكري السريع للحرب على أوسيتيا الجنوبية التي شنتها جورجيا باعتبارها أصبحت تمثل القاعدة العسكرية لأميركا وتتزود بالأسلحة من إسرائيل كذلك. ومن اللافت في الطبيعة العسكرية والسياسية لروسيا ضد جورجيا هو هذا الإنهاء الواضح لما كان يسمى الصداقة مع أميركا ,والمثير للانتباه أكثر هو الكيفية التي اختارتها الأركان الروسية لتهديد بولندا إذا ما سمحت لأميركا بنصب الدرع الصاروخي على أرضها بأن بولندا ستكون هدفاً للجيش الروسي وسيتم ضربها بالنووي ,وصار بهذا التحول الخطر في الوضع بين القوتين العظميين الرأي ممكناً بأن موسكو لم تعد تحتمل سياسة قضم ماحولها بالتدريج حتى يتم الانقضاض عليها في زمن قادم وعليه فلم يعد أمام الروس سوى استراتيجية الدفاع عن الوجود بكل أشكال الدفاع طالما أن أميركا والرئيس بوش يجاهران بدعم جورجيا, ولايتناغمان مع أماني الأمم بعدم التدخل في شؤونها الداخلية, ومن قزوين بوابة روسيا العالمية ننظر اليوم إلى بروز خطاب جديد لموسكو تستعيد فيه الضرورات الواجبة لبقاء الحرية والعدل العالميين باعتبار أن حرية روسيا, ومصيرها, ومستقبلها تتهدد الآن مثلما تتهدد حرية شعبنا في فلسطين والعراق, وجنوب لبنان, وأهلنا في الجولان المحتل, وكذلك في الصومال, والسودان. وفي هذا الظرف الدولي التحولي تأتي زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى موسكو تتويجاً سياسياً ودبلوماسياً ناجحاً للحراك السوري السياسي الذي بدأ من الخليج, وها هو يصبح في روسيا والزيارة ستعيد العلاقات السورية- الروسية إلى أجوائها التاريخية من منظور وحدة الأهداف, ووحدة التهديد, ووحدة المصالح المشتركة فالعدو الأميركي صار يهدد روسيا, ومعه إسرائيل, وروسيا أدركت هذه المسألة بالملموس في جورجيا, ولذا فمن المنطقي أن تزداد الحماسة الروسية للدور المطلوب من روسيا في إطار الرباعية الخاصة بالصراع العربي- الإسرائيلي وتزداد الحماسة الروسية إلى عقد مؤتمر السلام الخاص بالشرق الأوسط وتزداد الحماسة إلى تطوير العلاقات التحالفية مع سورية التي تمثل قلعة العروبة الصامدة بوجه المشاريع الأميركية في المنطقة العربية, وتزداد الحماسة الروسية في جبهة الكفاح العالمي ضد التغّول الأميركي ومن المؤكد أن حوارات السيد الرئيس مع القادة الروس ستحقق النجاح الكبير في التبادل الاقتصادي والاستثماري بين البلدين حتى تستعيد روسيا الدور الاقتصادي الذي لعبته في سورية وتستعيد سورية القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي كانت لها في ظل الصداقة, ومعاهدتها مع وريث الاتحاد السوفييتي روسيا اليوم. |
|