|
ملحق ثقافي
يشير الفنان والباحث حبيب الراعي في مقدمة الاطروحة، الى أن مسألة الفن التشكيلي في البلاد العربية، يثير الكثير من النقاش، ويطرح العديد من التساؤلات، وقد كان تناوله لتجربة التشكيل الفلسطيني في حد ذاته، وبصفة خاصة، محكوماً بالخوض في المساجلة والاختلاف، ومرد ذلك ليس إلى مجرد كون هذه ا لتجربة جزءا من المشهد ا لتشكيلي العربي فحسب، بل إلى خصوصية هذه التجربة المرهونة بالوضع الفلسطيني وتداخلاته بشكل أساسي. في الباب الأول، توقف عند اختلافية البدايات في الفن التشكيلي ا لفلسطيني، فأشار أولا، الى البدايات والانقطاعات، عبر ثلاث نقاط هي: عوامل انتقال اللوحة المسندية إلى المشرق،
والريادة المسيحية للوحة المسندية، والواقع كموضوع للوحة المسندية انتقل بعدها الى موضوع صورة الواقع وواقعية الصورة، من خلال: الواقع ومحاولة تغريفه، وعوامل تبني الخطاب ا لواقعي في الفن الفلسطيني، ووظيفة الصورة في السرد الواقعي. الباب الثاني، كرسه الفنان والباحث الراعي، لموضوع الأرض بين واقعية الصورة وكيميائية الخامات، فتوقف عند تجليات الأرض في السرد التشكيلي الفلسطيني، والأرض من خلال حضور الصورة، وحضور الخامة، والتجريد الاركيولوجي للأرض، ثم ينتقل إلى موضوع الخامة كحضور عيني للواقع، فتوقف عند الانتماء للأرض، ثم ضد الحداثة، وتراب وماء، نار وهواء. في الباب الثالث، توقف عند وطن الذكريات ووهم المسافات، فتحدث عن تمارين العودة واستحضار وطن عبر توثيق الذكريات، والرموز التوثيقية الاسترجاعية، والوطن: الذكرى والحلم.
ثم انتقل الى موضوع المكان والبيت ومربع الذكريات، عبر جماليات البيت، وهندسة الذكريات، والوعي الطباقي والرؤية الجوانية للمكان. في خاتمة الأطروحة، يشير إلى أن حركات رفض الاحتلال الإسرائيلي المتتالية في فلسطين، شكلت مفاصل هامة، بلورت الشخصية الفلسطينية وأثرت في الكثير من الفنون، وقد كانت الانتفاضة الفلسطينية عام 7891 أحد أهم هذه الحركات. ثم يشير الى أن هذا الفعل التحرري، انعكس على الفن التشكيلي الذي كان بحاجة الى أساليب تعبير جديدة، لتناول الواقع المعاش من جهة، ولإشباع حاجات الفنان التعبيرية، وحاجات المتلقي الجمالية، من جهة أخرى. يرى الباحث أن التجارب المعاصرة في الفن التشكيلي الفلسطيني الحديث، استطاعت ان تتحرر من سطوة المعاني في سعيها الدائم لخلق لغة تحمل خصوصية صاحبها، وتعبر عن عالمها، لا تتشبه بالواقع، بل تسعى الى تحويله الدائم، عبر تحورات دائمة للصورة، هي الضامنة لخلق تلك اللغة، وتلك الخصوصيات، دامجة في ذلك، قوة الخيال، وحضور الذاكرة، لكنه يستدرك ليؤكد، بأن الأعمال المعاصرة هذه، وإن حملت بعض العناصر الرمزّية والتراثيّة الفلسطينية أحيانا، تندرج ضمن مسيرة التشكيل العالمي، لكنها تسعى في نفس الوقت، إلى التمايز وامتلاك الخصوصية، وهذه المساعي كما يرى، تحتاج لكثير من الوقت والجهد والاجتهاد والبحث، ولن تأتي بمجرد إدخال رمز، أو اشارة فلسطينية، إلى هذا العمل أو ذاك بحجة الأصالة، والعودة الى التراث التي تعد عودة إلى الماضي، بدل أن تكون إلهاماً للروح، وإغناء لعملية التخيل التي تعد بالجديد، وتمارسه، وتقوم على استدعاء الماضي ليعاش كحاضر. هذه الاشكالية الحاضرة في التشكيل الفلسطيني والعربي المعاصرين، يراها الباحث موجودة ومستمرة وتعد مجالا للنقاش والسجال بين فريق يتمسك بالتراث والأصالة، وآخر يتبنى الحداثة والمعاصرة، ويتعامل مع الماضي بفكر استئصالي، وثالث يحاول المزاوجة بينهما كنوع من التأصيل للمصالحة بينهما، ما يوحي بالاعتراف ببديهية التعارض بين الموروث الثقافي والفكري العربي، من جهة، والفكر العلمي المعاصر، من جهة أخرى، في محاولة توفيقية، يسودها الارتباك والتسطيح وعدم الوضوح. وينهي الباحث في خاتمة أطروحته، إلى الدعوة من أجل التأمل الصادق والواعي في الفنون الإسلامية، بعيدا عن أي اكراهات عقائدية، وبشكل يسمح لنا بالبحث ومناقشة المفاهيم، باعتبارها مدخلاً للتأسيس لفكر اخلاق حر، لا يعترف بالثوابت التي تتعارض مع روح الفن. ويضيف مؤكدا، أن مثل هذا التأمل، يطرح أيضا، ضرورة تناول التجربة التشكيلية في البلدان العربية المفروضة من الغرب على الذائقة العربية، في علاقتها مع ابداعات الفنانين، في فترات ازدهار الدولة الإسلامية السابقة. ويرى أنه مثل أي تجربة تشكيلية، تندرج تجربة التشكيل الفلسطيني، كممارسة تشكيلية تطرح سؤال الفن، وحقيقة القوة التي تميزه، وكذلك بداهة حضوره في حياتنا، ومدى قدرة هذه التجربة على التأسيس لحداثة عربية تشكيلية قادرة على زحزحة الثوابت الجمالية الراسخة في الذائقة العربية، وبالتالي الارتقاء بتلك الذائقة، وطرح سؤال القطيعة أم التواصل، بما ينسجم مع تغيير القيم الجمالية، والحياة ضمنها. |
|