تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(ألف ليلة وليلة) ومقصلة الأدب

ثقافة
الاثنين 7-9-2015
عقبة زيدان

ما زال الروائي الياباني هاروكي موراكامي يحطم رقماً قياسياً عالمياً في عدد النسخ المباعة من كل رواية يصدرها،

ورغم وجود أسماء كبيرة في اليابان مثل: يوكيو ميشيما، ياسوناري كواباتا، أوسامو دازاي، إلا أن قراء موراكامي في ازدياد حول العالم، وقد طبع من رواية (ما بعد الظلام) - باللغة اليابانية فقط - ما يزيد عن 43 مليون نسخة، مع العلم أن عدد سكان اليابان حوالي 100 مليون نسمة، أي ما يعادل نسخة لكل شخصين، وهذا رقم مذهل في تاريخ القراءة.‏‏

ولا يظن أحد أن موراكامي هو المقروء الوحيد في اليابان، بل هو من بين عدد من شعراء الهايكو والروائيين المرموقين، وإضافة إلى هؤلاء جميعاً، تطبع أعداد ضخمة من الكتب التاريخية وفي مقدمتها كتاب اليابان المقدس (الكوجيكي) الذي لايزال يلقى رواجاً عظيماً، والذي يعد مفخرة كلاسيكية.‏‏

وتعيد إسبانيا نشر مؤلفاتها الكلاسيكية، وفي مقدمتها العمل الكبير (دون كيخوته) لسيرفانتس. هذا العمل الذي طبع منه في عام 2004، وبمناسبة الذكرى المئوية الرابعة لنشره، ما يعادل 40 مليون نسخة باللغة الإسبانية، باعتباره رمزاً تاريخياً أدبياً.‏‏

وإذا اتجهنا نحو الهند، سنجد أنها تعيد طباعة الكتب التاريخية الأدبية الكلاسيكية وفي مقدمتها كتب بوذا والبهاغافاديتا كرمزين للهند. أما اليونان فتعيد كل عام طباعة نيكوس كازانتزاكيس، وعمل هوميروس (الإلياذة والأوديسة) بتيراجات ضخمة، إضافة إلى طباعة الأعمال الفلسفية لأصحاب المعجزة اليونانية: سقراط وأفلاطون وأرسطو.‏‏

ماذا لدينا نحن العرب من الأعمال الكلاسيكية التي يجب أن تكون مفخرة، ويجب الاهتمام بها وطباعتها؟‏‏

لدينا الكثير: ابن عربي، ابن رشد، ابن خلدون، الفارابي، ابن سينا، والقائمة تطول. ولكن من بين أهم الأعمال، والذي يعد في العالم أجمع من بين أجمل كتب الحكايات، إن لم يكن أجملها على الإطلاق، هو كتاب (ألف ليلة وليلة)، أو ما يطلق عليه الغرب (الليالي العربية). ولا أحد في العالم يستطيع أن يشكك في عظمة هذا الكتاب وسحره.‏‏

هل قامت وزارات الثقافية العربية والمؤسسات الثقافية يوماً بمجرد التفكير بطباعة (ألف ليلة وليلة) بتيراجات ضخمة، وتقريبه إلى الناس، باعتباره كتاباً كلاسيكياً ورمزاً أدبياً كبيراً؟ وهل سمعنا يوماً بأن مهرجاناً ما أقيم على شرف هذا الكتاب الرائع؟ بالتأكيد لم يحدث هذا ولا ذاك.‏‏

سيطلق البعض حجة تقول: إن العرب لا يقرأون، ولذلك فليس من داع لتتعب الدوائر الثقافية العربية نفسها بطباعة هذا الكتاب وصرف مبالغ كبيرة عليه!! وإذا كانت هذه الحجة يمكن أن تقنع أحداً، فنقول: لماذا إذاً وُجدت وزارات ثقافة عربية ومؤسسات نشر؟ أليس من الطبيعي أن يكون لها عمل ما؟‏‏

لقد تم حسم موضوع المطالبة بطباعة (ألف ليلة وليلة) بتيراجات كبيرة، وذلك عبر قيام مجموعات الإفتاء العربي الأدبي بالهجوم على هذا الإرث الحضاري الأدبي الضخم، وإقامة الحد عليه، بدعوى أنه غير مهذب، ويجب تهذيبه وتأديبه وإعادته إلى جادة الصواب.‏‏

نعم هذا ما تم تماماً، وبدلاً من مطالباتنا بتكريمه، صار لزاماً علينا طلب العفو من سادة الإفتاء الأدبي، ليتركوا لنا هذا الإنجاز الجميل على ما هو عليه، وعدم النيل منه بالعقاب القاسي والحذف والقص.‏‏

ولا من مجيب!!‏‏

لم تقم مؤسسة عربية ثقافية واحدة بالدفاع عن هذا الإرث الحضاري العظيم، أو بمحاولة إيقاف عملية إعدامه شبه الكلية. أليست هذه كارثة إنسانية، تضاف إلى كوارث التعدي على التراث؟‏‏

تحرم معظم المعارض العربية طبعة (ألف ليلة وليلة) إن لم تكن مهذبة، بدعوى أنها تخدش الحياء العام!!‏‏

عبارة (الحياء العام) مضحكة وتثير السخرية. فأولى بأصحاب الإفتاء الثقافي العربي أن ينظروا إلى الفضائيات العربية والأجنبية، ويسألوا أنفسهم: هل تخدش الحياء العام، أم لا؟‏‏

إن القص والتشويه، يدخل في حيز العنف بحق التراث، وهو عمل عنيف وجريمة فظيعة، يجب ألا يفلت مرتكبوها.‏‏

العقل العربي العجيب، الذي يتغنى بالدفاع عن التراث، والمحافظة على تاريخنا، يمزق صفحات من كتابنا الأجمل (ألف ليلة وليلة). ولكن، ألم ير هذا العقل أن الفضاء الإلكتروني اقتحم عالم الصغار من عمر السادسة فما فوق، وأن هناك حوالي أربعة ملايين موقع إباحي على الشبكة العنكبوتية، وأن عدد الأطفال الذين يرتادونها حول العالم ما بين 6 و11 عاماً، هو عدد ضخم، وأن لأطفال العرب حصة وربما نسبة لابأس بها من الزيارات إلى هذه المواقع.‏‏

غريب هذا العقل!! لم أسمع يوماً بأن رجال الإفتاء الثقافي استاؤوا من هذه المواقع وطالبوا بمنعها، أم أنها مهذبة، وليست كالولد الشقي المدعو (ألف ليلة وليلة)؟؟‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية