تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المسقط الأخير ..!

على الملأ
الأثنين 7-9-2015
علي محمود جديد

مُنِيَ الكثير من الناس - ولاسيما في المنطقة الساحلية - بخسائر كبيرة في أراضيهم بعد عمليات التحديد والتحرير، وبدلاً من تثبيت ملكية الأراضي وتحديدها، انتُزِعَتْ ملكيتها من أصحابها، وتحوّلت إلى أملاكِ دولة، بحجة أنها مهملة، بائرة، ولا أحد يهتم بها.

وفي الواقع حتى وإن كانت تلك الأراضي مهملة وبائرة في فترة من الفترات، فإنَّ هذا لا يعني استمرارها هكذا طوال حياة صاحبها، وبالتالي فإنَّ وقوع أعين لجان التحديد والتحرير عليها بهذا الشكل لا يُبرر انتزاع الملكيّة، لأنّ استعمال الأراضي ليس فقط بالزراعة، هذا أولاً، وثانياً: كان من المفروض أن تُراعى أوضاع الأراضي الساحلية، نتيجة ضيق المساحات أصلاً، وتفتيت الملكيات إلى حيازاتٍ صغيرة ومتناهية الصغر أيضاً في كثير من الأحيان، ولاسيما في تلك الجبال الساحلية الوعرة التي من الصعب العمل الزراعي فيها، وتحتاج أصلاً إلى استصلاح قد لا يستطيع صاحبها أن يتحمّل تكاليفه في أي وقت.‏

لم يعد خافياً على أحد أنَّ الفقر المُدقع لأغلب أبناء الساحل دفعهم نحو الهجرة الدّاخلية بحثاً عن فرصة عمل في محافظاتٍ عديدة، ولاسيما في دمشق، فمنهم من لهث وراء عمل لإنقاذ حياته، ومنهم من تطوّع في الجيش أمام نضوبِ فرص العمل، وقد أثبتت الأحداث الجارية حالياً في سورية هذا الأمر من خلال مواكب الشهداء والجرحى التي لم تتوقف في الساحل، وكان أغلب هؤلاء يتركون مسقط رأسهم، وما يملكون - إن امتلكوا شيئاً - من الأرض كرصيد لهم ينتظرهم ريثما يعودون، أو يعود أبناؤهم للاستقرار في ديارهم، فإمّا يستصلحونها ويزرعونها، وإما يُقيمون فيها مشروعاً معيّناً،وإما يبيعونها كي يستطيعوا العيش في نهاية حياتهم.‏

جاءت عمليات التحديد والتحرير لتجتاح هذه الأراضي المتروكة مؤقتاً، وتنزع ملكيتها عنوةً عن أصحابها، وهم في غفلةٍ من أمرهم بعيدين عن ديارهم، وكان من الأجدى والعدالة والإنصاف، أن يُسأل صاحب الأرض إن كان سيستثمرها يوماً أم لا ..؟ أو على الأقل يوجّه له إنذار وبشكلٍ شخصي بأنه إن لم يبدأ بإحياء الأرض خلال فترة معينة ستُنزع ملكيتها، وكان يمكن بمثل هذا الأسلوب تفعيلُ أراضٍ كثيرة تمت مصادرتها الآن، وبقيت على حالها، فلا الدولة فعلت فيها شيئاً، ولا استطاع صاحبها أن يستثمرها بأي شيء، أو حتى الاقتراب منها..!‏

الأحداث الجارية في سورية اليوم أدّت عند الكثيرين من أبناء الساحل وغيره إلى خراب بيوتهم التي قضوا عمرهم في بنائها، وتعرّضوا للكثير من المخاطر، فعادوا إلى قراهم ونصبَ أعينهم استثمار أراضيهم التي اضطرتهم الظروف القاسية لتركها وتأجيل استثمارها، ولكن صعقتهم المفاجأة بأنّ أراضيهم لم تعد لهم، فقد اجتاحتها عمليات التحديد والتحرير، وصارت بغفلةٍ من أمرهم أملاكَ دولة ..!‏

نعتقد أن الدولة لا تحتاج عملياً إلى مثل هذه الأراضي، وإن احتاجت فلا أحد يستطيع الوقوف في وجهها بعملية استملاكٍ هنا وهناك، ولذلك فإن عملية استرجاع هذه الأراضي لأصحابها أمر موضوعي، وأمر ممكن ولا يحتاج لأكثر من تشريع يُفسحُ المجال أمام المظلومين لبيان أوضاعهم، وأنهم كانوا مضطرين لذاك البُعد عن مسقط الرأس، فلعلَّ هذا الرأس يستريح عند المسقط الأخير ..!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية