تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأمل ضعيف.. لكنه موجود

فضائيات
الأحد 3/2/2008
معن عاقل

التعبير مكتوبا أو مرئيا, وأعني بالإعلام الاجتماعي تلك المواد الصحفية أو البرامج المتلفزة التي تتناول مشكلات اجتماعية تتعلق بالأسرة ومكوناتها وبالقيم الأخلاقية والظواهر الشاذة عن العرف والقانون.

أقول غالبا ما يستوقفني ذلك لأن طريقة التناول لم تزل أسيرة حدين مختلفين شكلا ومتماثلين مضمونا والكبت ولم يزل الإعلام عموما يتناوب بينهما وهما أي الحدين الانتقال من التحفظ والكبي وآليات المنع في الخطاب الإعلامي إلى فضاء الحرية والجرأة في الطرح وتسمية المشكلات بمسمياتها.‏

غالبا ما يستوقفني الإعلام الاجتماعي إن صح‏

لكن المشكلة التي واجهت الفضاء الجديد هو أن الحرية والجرأة لم تؤهلا الإعلام والإعلاميين للغوص في عمق الظواهر الاجتماعية وغالبا ما استسهلوا سرد مجموعة من الحالات المتعلقة بالمشكلة مضيفين إليها رأيا اجتماعيا وآخر قانونيا أو أن ينطلقوا في كتابة آرائهم من تجارب شخصية أو تجارب أقرباء أو أصدقاء مقيدين أنفسهم في أطر محددة مسبقا.‏

وبالطبع فإن المتابع لوسائل الإعلام سيكتشف ببساطة آلاف الملاحظات الفاضحة لكن إذا أراد اختصارها إلى الجوهري منها يمكنه أن يحددها بالإثارة وتسطيح المشكلات الاجتماعية وافتقاد القدرة على اختيار الحالات والوقائع المعبرة وأبعد من ذلك سيكتشف ضحالة الثقافة الاجتماعية للاعلاميين وأحيانا قصر نظرتهم وبالتالي سنجد أنفسنا أمام مشكلة مركبة, غدا الإعلام جزءا منها.‏

عندما انطلقت موجة هذا النمط من الإعلام في الصحافة المكتوبة, واليوم هناك موجة في الإعلام المتلفز, قلت إن نوعا من الفوضى والتخبط يلا زمان أي مرحلة انتقالية وإن الإيجابي فيما يحدث هو أنه بات بمقدور المجتمع أن يتناول مشكلاته مهما بلغت حساسيتها ومهما بلغ التحريم المفروض عليها في وسائل إعلامه, صار بوسعه التحدث عن الدعارة والشذوذ الجنسي والعنف الأسري وغشاء البكارة والصداقة بين الجنسين والعلاقات الجنسية قبل الزواج.. الخ. لكن اللافت هو أن الفوضى والتخبط صارا هما المرحلة الجديدة وتحولت الحرية المتاحة والجرأة إلى نوع من الابتذال والكلام المكرور, وقلة هي المواد الإعلامية التي بحثت في المشكلات وجذورها وفي الأرقام ودلالاتها وفي الأدمة المولدة لها, وبدل ذلك تحول الإعلام الاجتماعي إلى حكي نسوان وقراءات في فنجان واندفع أحيانا إلى ترسيخ كل مفاهيم وقيم مرحلة المنع والحجر, ولم يستطع أن يؤسس لحوار حقيقي وحر حول أي قضية اجتماعية بل لم يستطع أن يرقى بأية قضية اجتماعية أو حدث اجتماعي إلى مستوى الرأي العام.‏

قد يقول قائل: لكن هل يوجد لدينا رأي عام وهل له وزن?‏

أجيب: هل حاولنا أن نحرك أو نوجه هذا الرأي العام, هل حاولنا أن نجس نبضه قبل أن نطلق الأحكام القاسية? وهل حاول إعلامنا المساهمة بجدية في تكوينه مستخدما كفاءاته وتقنياته?‏

أعود إلى فكرة إطلاق حرية النقاش في وسائل إعلامنا ولاسيما للقضايا الاجتماعية وإلى الحاجة الماسة لها, لأقول إننا في أمس الحاجة لها, لكن الخطر, كل الخطر , في أن يتحول النقاش إلى أداة لمصادرة الحرية ذاتها عن طريق إعادة إنتاج الطهارة الاجتماعية السابقة بدل محاورة الدنس الاجتماعي بأساليب مهنية تبعده عن الإثارة وترتقي به إلى الجدية.‏

شاشتنا على موعد مع مثل هذه البرامج, والتحدي أمامها كبير, وبغض النظر عن التشاؤم الشخصي وتشاؤم المحيطين أقول: أتمنى.. أتمنى... أن ترتقي إلى مستوى التحدي .. الأمل ضعيف لكنه موجود.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية