|
شؤون سياسية على التركيز في اتجاه واحد أو حول موضوع واحد فعينه اليمنى الساهرة المرخية الجفن تتجه إلى أروقة الأمم المتحدة, للتثبت من وعد الرئيس الأميركي (جورج بوش) بعدم السماح لمجلس الأمن بإصدار بيان حول ( غزة) وعينه اليسرى تتجه إلى الحدود الفلسطينية- المصرية وتحديدا إلى رفح, فتشعر هذه العين بالألم الشديد بل بالحقد الشديد لرؤية الفلسطينيين وقد تمكنوا من تحطيم الحدود المصطنعة التي تفصل بين الأراضي الفلسطينية والأراضي المصرية, ولرؤية المصريين وقد فتحوا قلوبهم وصدورهم لاستقبال أشقائهم الفلسطينيين ومدهم بالمواد الغذائية والوقود بلا تفكير في استغلال الظروف القاسية التي يجتازون حقولها المزروعة ألغاماً. مشهد الانصهار بين أبناء الأمة الواحدة سيحفظه الوجدان العربي يقينا يلقي في الروع الثقة أن هذه الأمة أمة واحدة مهما قست الظروف وتجبرت, أمة يؤلفها الجرح فتلتقي على أشجانه, ولن تفقد إيمانها بحتمية شروق شمس الوحدة العربية التي ستكنس صقيع الفرقة والتشتت والتشرذم. ماذا يفعل ( أولمرت) بعينيين متنابذتين تظل الأولى عالقة في نيويورك والثانية معلقة بغزة, وفي كلا الاتجاهين مشكلة كبيرة لا يملك القدرة على الفرار من ثقل وطأتها عليه. هو يدرك جيدا أن الولايات المتحدة الأميركية مارست ضغطا هائلا على كل من يرعى لها خاطرا لمنع صدور البيان حول غزة, فأخفقت إخفاقا فاضحا, وكانت معارضة الوفد الأميركي الذي لم يجد عونا إلا من الوفد الذي لا يغرد إلا في ميدان السرب الأميركي ونعني به الوفد البريطاني, السهم الأخير في جعبة ( واشنطن), ومع أن الوفد الأميركي نجح في تسجيل هدف في اللحظات القاتلة من المباراة في مرمى مجلس الأمن ليطلق الوفد البريطاني الصافرة معلنا انتهاء المباراة, وهو الذي نصب نفسه حكما دون تفويض من أحد, إلا أن الأْعضاء كلهم يدركون أن (إسرائيل) ومعها الداعم الأميركي خرجت خاسرة لأن العالم أدان جرائمها المخزية التي ارتكبتها في فلسطين المحتلة, وهاهي غزة البطلة بصمودها الكبير تثبت أنها على حق في مواجهة الباطل (الإسرائيلي). و ( أولمرت) يدرك جيدا أن المصريين الذين يرفضون التطبيع مع (إسرائيل)وجدوا في تدفق الفلسطينيين على أرضهم الطيبة, فرصة ممتازة للتعبير عن مشاعرهم الحقيقية, وجدوا الحدث منبراً يوصل صوتهم إلى العالم, هذا الصوت الذي ينادي بضرورة نبذ (إسرائيل) الكيان الغاصب المعتدي الذي سيبقى عضوا غريبا يرفضه الجسم العربي ولا يتقبله بحال من الأحوال, فلا فائدة من الهوس الأميركي بزرعه في خارطة الجسد العربي ليصبح عضوا أصيلا يحظى بالترحاب وحسن الضيافة وكرمها, منبراً يعلن بكل رجولة وشمم أنهم أبناء نجباء من أبناء الأمة العربية يحملون صفات النخوة والكرامة وقد تجلت هذه الصفات في صورتها الرائعة وهم يقولون لأهالي غزة المحاصرين: أهلاً بكم أشقاء أتوا من ديارهم إلى ديارهم, نحن معكم في السراء والضراء ولتعد (إسرائيل) بالخزي والعار وليمت ساسة (إسرائيل) بغيظهم. أما أذنا ( أولمرت) ففي مشكلة لا تقل إشكالية عن مشكلة عينيه فأذنه اليمنى تصغي إلى ما يصله من أنباء حول مؤامرات تطهى في مطبخ حزبه ( كاديما) والطاهي المعلم المشرف على إحضار المواد الأولية والبهارات والمنكهات وإنضاج الطعام هو شخص يفترض أنه مقرب وهذا الطاهي هو وزيرة الخارجية ( تسيبي ليفني) التي تمني نفسها أن تجلس على كرسي رئاسة الحكومة لتكون ( تاتشر) الكيان الصهيوني. وأذنه اليسرى تتابع كل سطر وكل فاصلة وإشارة استفهام تضاف إلى تقرير ( فينو غراد) الذي سيكشف حقيقة الهزيمة ( الإسرائيلية) خلال عدوان تموز عام 2006 على لبنان الشقيق, هذا التقرير سيظهر بالصوت والصورة سوء تدبير وتقدير ( أولمرت) وقصر نظر وحماقة كل من تورط معه في العدوان على لبنان, فكسر شوكة المقاومة الوطنية اللبنانية أمر فوق طاقة (إسرائيل) وفوق طاقة الولايات المتحدة الأميركية نفسها. ماذا يفعل (أولمرت) بأذنين تستطيعان التقاط بث الموجات الإذاعية التي تحمل له الأخبار السيئة فحسب? هل سيطلب المساعدة الأميركية العاجلة لإجراء عملية جراحية تمكنه من تركيب أذنين جديدتين ومن هو الطبيب الذي سيقوم بمثل هذه العملية وما نسبة نجاحها. أسئلة شتى تحاصره ولا يملك أجوبة لها وهو ينتظر مساعدة أحد الصديقين ( بوش) ووزيرة خارجيته ( كوندوليزا رايس) التي لعبت دور مستشارة ( اولمرت) خلال عدوان تموز بكل مهارة وكفاءة مهارتها وكفاءتها جرتا عليه الويل خراب البيت السياسي والنفسي.لينشغل (أولمرت) بمشكلات عينيه وأذنيه فالأمر ليس جديرا بالاهتمام لكن حبذا لو تذكر وهو في غمرة انشغاله أن ( غزة) أقوى من آلة إرهابه وحقده وأن المقاومة اللبنانية صخرة تهشم أنياب كل من يحاول الاقتراب منها وما أظنه بمتذكر لأن تفكيره محصور في تأمل شمعة حياته السياسية وقد جنحت للانطفاء في بركة الهوان الذي سيلاحقه حيثما مضى. |
|