تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غربة الأبناء من اغتراب الآباء

مجتمع
الأحد 3/2/2008
أنيسة أبو غليون

إن القيم التي يكتسبها الطفل أثناء سيره نحو بناء شخصيته إنما هي نتيجة لمؤثرات كثيرة في البيت والمدرسة والمجتمع, ولكن تأثير البيت هو الأقوى وحتى عندما يكبر ويريد أن يتخذ القرارات في كثير من الأمور فإن المبادىء التي اكتسبها من تربيته المنزلية ستؤثر على سلوكياته حتماً.

ففي البيت يتعلم الخطأ والصواب ويأخذ فكرة العدل والمساواة عن القيم والمفاهيم التي ينتهجها الأب والأم, ولكن عند غياب الأب تصبح هذه المكتسبات عرجاء, إذ إن للأب دوراً نفسياً وتربوياً واجتماعياً واقتصادياً.‏

وهو القائد والموجه الذي تقع عليه مسؤولية تأمين دخل كاف لتأمين الرعاية الصحية والمدرسية وكل أسباب الحياة الكريمة, ومن أجل كل هذا يضطره الوضع الاقتصادي لأسرته لأن يغيب عن المنزل فترات تطول أو تقصر معتقداً أنه بغيابه حقق كسباً اقتصادياً كبيراً, ولكن على حساب خسارة أدوار كبيرة وكبيرة جداً.. وفي التحقيق التالي نسأل زوجات وابناء عن حالة الاغتراب التي يعيشونها بغياب (رب الأسرة).‏

- سلمى الحلبوني قالت: زوجي دائم السفر لأن طبيعة عمله تقتضي ذلك وأنا هنا أمثل دور الأب والأم وابنائي لا ينقطعون عن السؤال عن والدهم فهم في شوق دائم له ويتمنون أن يجلسوا بجانبه يسمعون حديثه ويستمتعون بوجوده ويحسون بعطفه وحنانه, وهنا سألنا ابنها فادي:‏

ما شعورك بغياب والدك الدائم? أجاب: أشعر برغبة دائمة لوجوده واشعر كأن شيئاً كبيراً ينقصني حتى أنني كرهت مشاهدة السيارات والطائرات, لأن تلك الآليات تنقل والدي من بيتنا إلى بلاد الغربة, لأن الغربة تجعلنا نعيش حياة تنقصها السعادة, وفي الحقيقة اشعر بالألم والحزن على والدتي لأنها تأخذ دور الأب والأم وأخاف عليها من الانهيار يوماً ما.‏

- أميمة البديوي قالت: تزوجت وعمري 20 عاماً ولدي بنون وبنات, البنت الكبرى في الثانوية وزوجي في الخليج لا يأتي لزيارتنا إلا مرة واحدة ولمدة شهرين في السنة.‏

إنني أعاني الأمرين مع ابنائي ولا استطيع السيطرة عليهم بالشكل المطلوب والصحيح لأن الأب هو الذي يعبر عن الكلمة الفاصلة والموقف الحاسم وهو الذي يضبط العلاقات الأسرية.‏

- وتقول ابنتها الكبرى ريم: إنني أحسد كل فتاة يكون والدها بجانبها يرعاها ويعطيها الحب والحنان ويقدم لها الوصفات الناجحة والضرورية لكل ما تواجهه من مشكلات, فأنا واخواتي مثلاً دائماً على خلاف وشجار مستمر ولو كان والدي بيننا لحسم الأمر بكل بساطة.‏

-وتدخلت رنيم وهي في المرحلة الاعدادية قائلة: أنا أحب والدي حباً شديداً, وأضع صورته بجانبي دائماً وأتخيل أنه سيدخل البيت الآن, وأراه في أحلامي وعندما استيقظ أشعر بخيبة أمل كبيرة لأن الذي رأيته هو مجرد حلم ليس إلا, إنني أشعر بنقص كبير, ترى هل الدنيا كلها (غربة من أجل المال).‏

- السيدة عائشة الدروبي قالت: لا يوجد رجل في البيت, زوجي دائم الغربة, هاهم أولادي في الشوارع تركوا المدرسة ولا يعودون إلى المنزل إلا في الليل ولا أستطيع أن أسيطر عليهم ودائماً يتشاجرون مع بعضهم البعض..‏

فأضطر للذهاب إلى أعمامهم وأخوالهم ليضعوا حداً لهم ولكن دون جدوى, أعلم زوجي عبر الهاتف والرسائل عن وضع الأولاد, فيتوعد ويتهدد, وعندما يحضر ويعود من السفر يبدأ بضرب الأولاد ظناً منه أنه يربيهم وعندما يعود للسفر يعود أولادي إلى نفس المشكلة.‏

- وفي النهاية إن خطأ بعض الآباء عندما يقول أحدهم عندما أعود وأستقر سأعوض أولادي عن فترة غيابي نقول لهم.. هيهات..هيهات إن الفرص قد مرت وشخصيات الابناء أخذت أبعادها, وعودة الأب متأخراً تجعله يأخذ صفة الدخيل على أولاده ودخيل على مجتمع لم يعايشه أصلاً.‏

-وحول هذا الموضوع: التقينا د.فايز الشالاتي المتخصص بالأمراض النفسية والعصبية حيث أفادنا قائلاً: إن وجود الأب هو عامل مكمل لبناء شخصية الطفل, وإن غيابه عن الأسرة سواء أكان في السفر أو الانشغال بالأمور الأخرى تجعله بعيداً عن طفله من الناحية النفسية والاجتماعية باعتبار أن الأب في حواره مع طفله يساعده على النمو النفسي السليم وبناء صحته النفسية وتكيفه النفسي الاجتماعي الناضج, وعندما يتضاءل دور الأب يبدو الطفل غير قادر على التكيف مع أبويه وأخوته ورفاقه في المدرسة ومدرسيه وغير قادر في المستقبل على التكيف الاجتماعي والنجاح في أي مهنة تناسب قدراته.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية