تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ذكراها المئوية: لسيمون.. عقل رجل

شؤون ثقا فية
الأحد 3/2/2008
سوزان إبراهيم

(كنت أود أن أخضع الرجال للقوانين نفسها التي تخضع لها النساء)...

كنت أرى في مفارقاتي علاقة التفوق التي سيعترف بها الناس جميعاً ذات يوم.. كنت أود ان أصبح أحداً وان أعمل شيئاً وأن أنزع نفسي من الروتين.. فرتابة حياة الكبار تثير شفقتي دائماً..‏

هكذا تحدثت سيمون دوبوفوار عن نفسها في مذكرات فتاة رصينة وهي التي لم تضع زينة على وجهها ولم تهتم كثيراً بمظهرها فهل كان ذلك ما دفع والدها ليقول: لسيمون عقل رجل..إن سيمون رجل.. والدها الذي كانت تنظر اليه وكأنه (جنس أندرمن البشر) وليس كمثله أحد في أهميته واشراقه ومرحه-ولدت دوبوفوار في 9 كانون الثاني 1908 عاشت طفولتها مدللة وكثيرا ما كانت تثور اذا عوملت على انها طفلة.. وهي المولعة بتجاوز القواعد والمراسيم والعادات منذ الصغر.‏

سيمون والطبيعة:‏

للطبيعة سحر خاص عند سيمون إذ يتغير كل شيء في نفسها حين تغادر المدينة وتنتقل بين الحيوان والنبات في الطبيعة ذات الثنايا التي لا تحصى وتفضل الوحدة والانعزال في الريف وتنفر من العودة الى المدى المغلق والى زمن الكبار. تتمنى ان يهزها ضوء القمر ومعها قلم وورق تحسن استعمالهما وتقول : لا شك في أنني فتاة تتأثر شديد التأثر بتبدل الفصول .‏

سيمون والحب والزواج‏

تقول دوبوفوار: كنت دائماً أعطي الحب قيمة رفيعة وأعلق أهمية على اتحاد كائنين وافكر بأنهما منسجمان إذ يكتشفان العالم معاً ويستسلم أحدهما للآخر انما كانا يمتلكان العالم بصورة ممتازة ثم ان كلاً منهما كان يجد السبب النهائي لوجوده في حاجة الآخر الى هذا الوجود وقد كان التراجع عن الحب يبدو لي عملآً جنونياً لا يعادله إلا ان يهمل المرء خلاصة حين يؤمن بالخلود . إن الحب كما اتصوره لا يعني الجسم على الاطلاق ولكنني كنت ارفض ان يبحث الجسم عن الارتواء خارج الحب فاللذة تبقى قذرة واذا لم تصهر بنار العاطفة وكنت متطرفة أريد إما كل شيء وإما لاشيء.‏

ولكن سرعان ما يعاودها الذعر من الزواج لتقول: ان احجز نفسي في حدود انسان آخر! فظيع هذا الحب الذي يقيدني ولا يتركني حرة! وتنظر اليه باستياء فما ينفرها منه هو هذا الاختلاط: إن أحدنا لا يستطيع في سريره مساءً ان يبكي بهدوء اذا كان راغباً بذلك! وان يكون للمرء أولاد يكون لهم بدورهم أولاد! إن ذلك ترديد فارغ لنغمة واحدة مملة.. ان يمتهن الانسان مهنة وان يتزوج: طريقتان للتخلي والاستقالة.‏

سيمون والروح‏

تعلقت دوبوفوار بالدين وهي طفلة تعبدت للصليب لأنهم شرحوا لها ان الرب سينقذ فرنسا من الغزو الالماني عام 1914 إذا كانت عاقلة وتقية . آمنت بمساواة البشر المطلقة وبدأت تشعر بالظلم الذي يتعرض له البؤساء من الناس . فيما بعد توقفت وقالت في نفسها : لم أعد أؤمن بالله: وتابعت ,قلت ذلك من غير دهشة كبيرة وكان هذا بديهياً فلو كنت قد آمنت به لما ارتضيت بهذه السهولة ان اجرحه لقد فكرت دوماً بأن هذه الدنيا لا قيمة لها إزاء الآخرة الخالدة.‏

ولكن ها هي ذي تزن الآن , ما دمت أحبها وها هو الله فجأة ليس له وزن ومعنى ذلك ان اسمه لم يعد يدل إلا على سراب . كانت الفكرة التي كونتها عنه قد صفت منذ وقت طويل وارتقت حتى فقد كل وجه وكل صلة حسية بالارض وحتى الوجود ذاته لقد كان كماله ينفي حقيقة وجوده ومن أجل ذلك لم أحس بالمفاجأة حين لمست غيابه في قلبي ومن السماء وأنا لم أذكره لأتخلص من مضايق لي بل على العكس فلقد لاحظت انه لم يعد يتدخل في حياتي وخرجت من ذلك بأنه كف عن ان يوجد بالنسبة لي.‏

سيمون وسارتر‏

في بحثها عن الرجل المختار رأت دوبوفوار ان على الشخص المختار ان يفرض نفسه عليها بطريقة بديهية وإلا لتساءلت : لماذا يكون هو وليس سواه ? وقد كان ذلك الشك غير منسجم مع الحب الحقيقي إنها سوف تحب يوم يستولي عليها رجل بذكائه وثقافته وسلطانه فهل كان سارتر يتمتع بتلك الصفات? قالت عنه : لقد كان سبب تعلقي الشديد به ان حياتي كانت‏

تبدو لي فارغة عابثة خارج اطار ذلك الحب ويبدو أن ذلك المزيج من الرائع والساخر هو الذي سحرها في سارتر إذ له نوع من الذكاء يستولي على قلبها وتقول : لا شك في أنه كان يملك جاذبية التجديد.‏

سارتر من وجهة نظر سيمون رجل يفكر الوقت كله إلا حين ينام , فهو لا ينقطع عن التفكير ويكره التحذلق كرهاً شديداً لكن ذهنه متيقظ أبداً فكان يجهل الخدر والنعاس والفرار والهدنة والحذر والاحترام وكان يهتم بكل شيء ولا يعتبر أي شيء مبتوتاً بأمره .‏

إنه يعيش ليكتب . يكره الروتين والتدرج والاعمال والبيوت والحقوق والواجبات وكل شيء رصين في الحياة وكان يجد في المجتمع على ما كان عليه شيئاً محتقراً ولكنه لم يحتقر ان تحتقره وكأنه ما يدعوه ( جمالية المعارضة) يلائم كل الملاءمة حياة البلهاء والقذرين بل يوجبها : فلو لم يكن هناك ما يحتاج الى المكافحة ما كان الادب شيئاً عظيماً.‏

سيمون المرأة‏

هي التي قالت : إن الانسان لا يولد امرأة بل يصبح كذلك .. وهي لم تكن تأسف - بالطبع - ان تكون امرأة بل كانت تستمد من ذلك ألواناً كثيرة من الرضى وكانت عزلتها تكشف لها عن تفوقها فلم تعد تشك في انها كانت شخصاً ما وانها ستقوم بعمل ما : وتقول: إن ما كان ينفرهم مني هو ما كان لدي من عناد رفضي لهذه الحياة العادية التي كانوا يقرونها بصورة أو بأخره وجهودي اللامنظمة للخروج منها وحاولت ان ألتمس السبب لذلك : إنني لست كالآخرين .‏

كان يغريني ان أجمع في نفسي قلب امرأة وعقل رجل وهكذا استرد إيماني بأني (فريدة وفذة).‏

إنها تمسك رأسها بين يديها وتقول: يالعقلي المسكين! تصوروا أني لا استطيع أن اعتمد إلا عليه وان علي أن استمد كل شيء منه! إن هذا غير انساني ولا بد ان يهترئ ذات يوم !‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية