|
برافدا إن حصول باراك أوباما على جائزة نوبل يوحي بأنه على قدر من الذكاء والتبصر وإن قبوله لها يعطي الانطباع بأن ثمة اتفاقاً تؤكد به واشنطن بأنها ستعمل على وقف إراقة الدماء وتحجم عن سياستها الفاشلة التي دأبت عليها بدعوى تصدير الديموقراطية إلى شعوب تبعد عنها 30000 ميل والحؤول دون مهاجمة البنى المدنية والعسكرية، وقتل الرجال والنساء والأطفال دون تمييز، وتدمير محطات توليد الكهرباء، وشبكات المياه، والهجوم على المدارس والمستشفيات ومراكز رعاية الأطفال واستخدام اسلحة متطورة ذات دقة متناهية، تلك السياسة التي أساءت لسمعة الولايات المتحدة مما جعل الأميركيين يخشون الإفصاح عن هويتهم ويدعون بأنهم كنديون عندما يكونون خارج بلادهم. إن الصفقات والمشاريع التجارية وجني مليارات الدولارات تعتبر في المقام الأول بالنسبة لأولئك الذين يهيمنون على السياسة الخارجية الأميركية الذين عليهم أن يعلموا بأن ثمة تحركات تجري لمقاطعة المنتجات الأميركية وشركاتها الأمر الذي سيفضي إلى خسارة الملايين من المواطنين الأميركيين لعملهم. إن تصويت البرلمان البريطاني ضد القيام بتدخل عسكري في سورية يعطي مؤشراً واضحاً بأن شعوب العالم لن تسمح لكرة الثلج بالتدحرج في هذه المرة. ولا شك بأن لدى الرئيس باراك أوباما مستوى من الذكاء يجعله يتفهم بأن الحرب السورية ستزداد شراسة عند تسليح حكومته وأتباعها من الدول الأوروبية للإرهابيين ومنحهم الضوء الاخضر للقيام بأعمال وحشية ضد القوات السورية المسلحة والقوى الأمنية وخدمات الطوارئ وسائقي سيارات الاسعاف والإطفاء، والرجال والنساء وكبار السن والأطفال. وفي هذا السياق نتساءل عن مشاعر وردود أفعال الجندي الأميركي، وعامل الأطفاء أو الاسعاف عندما يعمد إرهابيون مسلحون إلى إطلاق النار عليهم؟ إننا على قناعة تامة بأن أوباما يعلم علم اليقين بأن الإرهابيين قد استخدموا الأسلحة الكيماوية غير مرة كما أنه يعلم أيضا بأنه ليس ثمة دليل يؤكد استخدام القوات السورية لتلك الأسلحة لاسيما أن كافة المؤشرات تدل على عدم استخدامها من قبل تلك القوات، خاصة أن السوريين قد وافقوا على إجراء مفتشي الأمم المتحدة كافة الأبحاث وقاموا وزيارة مواقع مختلفة قيل إنه تم استخدام الأسلحة فيها. لكن من المعلوم بأن الأمم المتحدة والكثير من المنظمات الدولية موجودة في واشنطن وتتلقى الدعم المالي من الحكومة الأميركية التي تهيمن على قراراتها، الأمر الذي يستدعي وبالضرورة إلى نقل هذه المنظمة من واشنطن إلى مكان آخر لا تخضع به لمؤثرات خارجية ويضمن حياديتها. إن التساؤل الذي يتبادر إلى أذهاننا هو عما يمكن أن يفضي إليه القيام بعمل عسكري؟ من المسلم به بان أي قرار بشأن القيام بتدخل عسكري يتم خارج أروقة الأمم المتحدة يعتبر قراراً غير مشروع وفقا لميثاق تلك المنظمة وأن الولايات المتحدة لم يغب عن بالها البتة بأنه قد سبق لها وأن وقعت على هذا الميثاق وأن قيامها بالتدخل يعبر عن عدم التزامها بالاتفاقات الموقعة ويؤكد عدم مصداقيتها بشكل عام ويضاف إلى ذلك أن الرئيس لا يملك الصلاحية التي تتيح له القيام بعمل عسكري دون موافقة من الكونغرس إلا في الأحوال التي تتعرض بها الولايات المتحدة لخطر مباشر أما في الأحوال الأخرى فإنه يتعين على الرئيس أخذ موافقة الكونغرس الذي يضم مجلس الشيوخ والنواب، ووفقا لقرار سلطات الحرب تكون المسؤولية إزاء هذا العمل جماعية. ومع ذلك فإنه من دون صدور قرار آخر عن مجلس الأمن فإن ما يتخذه الكونغرس ليس له من أهمية تذكر بالنسبة للقانون الدولي. إن الأسلوب غير المسؤول الذي اتبعه الرئيس أوباما عندما قال «ثمة خطوط حمراء» تؤكد عدم تحسبه للتعقيدات التي تنجم عن هذا الالتزام وصعوبة التحلل منه لكننا نعود لنقول بأنها ليست المرة الأولى التي تشن بها الولايات المتحدة حملة عسكرية دون موافقة من مجلس الأمن. لاريب بأن خوض عمل عسكري دون وجود أدلة سيكون تصرفا أرعنا غير مسؤول وسيترتب عنه مسؤولية قانونية جسيمة خاصة في ضوء تدني نسبة المؤيدين التي لم تبلغ سوى 9% من الشعب الأميركي. ولنكون منصفين نقول: هل يعقل ان تعمد القوات السورية إلى استخدام تلك الاسلحة في أماكن وجود قواتها؟ وهل من الممكن استخدام تلك الأسلحة عشية قدوم المفتشين الدوليين؟ أو استخدامها في مواقع حقق بها الجيش انتصارات ملموسة؟ وهل يمكن لجيش محترف ذي خبرة أن يستخدم تلك الأسلحة ضد المدنيين؟ من المؤكد بأن توجيه ضربة عسكرية إلى هذا البلد سيفضي إلى عداء من المجتمع الدولي للولايات المتحدة فضلا عن ظهور موجة من النشاطات التي تدعو إلى مقاطعة الشركات الأميركية ومنتجاتها نتيجة لتعرض المدنيين الأبرياء للقتل، وليعلم الكونغرس بأن ثمة دروعاً بشرية ستتنادى من مختلف أصقاع العالم لتنضم إلى إخوانهم وأخواتهم السوريين في الحملة التي رفعوها «على جثتي» في توجههم للدفاع عن الأهداف المحتملة. ستتصدر عناوين الصحف في اليوم التالي للضربة العسكرية أخبار عن أثار تلك الضربة وصور للنساء والأطفال الذين قتلوا من قبل الأميركيين والفرنسيين الجبناء الذين يمتطون طائراتهم على ارتفاع شاهق أو يختبؤون خلف وسائل تكنولوجية حديثة تمكنهم من إطلاق وتوجيه القذائف عن بعد. ولاريب بأن القيام بالعمل العسكري سيثير غضب واستهجان المجتمع الدولي الأمر الذي سيجعل معظم دول العالم تناهض ذلك التحالف الثنائي الذي يضم الولايات المتحدة وفرنسا مما يفضي إلى تزايد العزلة التي ستلاقيها الولايات المتحدة، فهل هذا ما وعد به الرئيس الأميركي باراك أوباما الشعب الأميركي؟ لو أن الرئيس أوباما يعتقد بأنه يستحق جائزة نوبل فقد كان عليه اللجوء إلى الأساليب الدبلوماسية بدلا من دعم الإرهابيين المسلحين وكان عليه ألا يناصر أحد الأطراف تجاه الآخر بل دعوة كافة الأطراف لوقف القتال ومؤازرة السلطات السورية للدفاع عن نفسها وشعبها بمواجهة الأعمال الوحشية التي يرتكبها الإرهابيون المدعومون من الغرب وكان عليه أن يعلم أيضا بأن «المعارضة» السورية ليست بالجهة المثالية وإن احتمال قيامها باستخدام اسلحة الدمار الشامل لتوجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة من الامور التي لا تُستبعد عنها. |
|