تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عدوى الداء الأميركي

الافتتاحيــة
الاثنين 9-9-2013
بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم

لا يقتصر الداء الأميركي على ما فيه من عيوب بنيوية ناتجة عن اتساع المساحة التي يشغلها ويحاول تعميمها على امتداد العالم، بل أيضاً بما ينطوي عليه من أعراض خبيثة تنتشر عدواها بسرعة، وتصيب السياسيين والدبلوماسيين الغربيين بسرعة تتفوق على ما عداها.

فلم يكد الأميركيون يتوازعون أدوار الكذب فيما بينهم حتى كانت الأعراض المرضية تصل إلى الضفة الأخرى المقابلة لها في أوروبا، وما بدا غير مقبول أو مرفوضاً، سرعان ما تبدل الحال وأصبح له مبرراته وذرائعه المتممة بالكذب وفق النموذج الأميركي.‏

ولم يكد الداء الأميركي يلامس عتبة الاستعصاء حتى كانت أوروبا ممثلة بمسؤولة اتحادها للشؤون الخارجية تعاني من المعضلة ذاتها، وإن بدت الأعراض أكثر وضوحاً عليها من غيرها، فيما كانت المواقف الأوروبية الفردية تبحث عن الهوى الأميركي غرباً وشرقاً.‏

لا أحد يجادل في أن الداء الأميركي لم يعد محصوراً في الكذب الذي ينتشر في مختلف مستويات القرار ويتحرك في الأروقة الأميركية داخلياً وخارجياً، بل تعداه إلى كل الأشكال التي تنطوي تحت هذا العنوان وما تقتضيه الحاجة، وما تفرضه متطلبات تعميمه.‏

المفارقة أن الحلفاء الأوروبيين لم يعدلوا من سلوكهم رغم التباين الحاد في مساحة العدوى، ولم يخرجوا من عباءة التوجس والهلع من فكرة أن يجدوا أنفسهم خارج العربة الأميركية، أو بعيداً عن هوامش الهيمنة الأميركية حتى لو كانوا في الركن الاحتياطي بانتظار أن تسند إليهم مهمة أو توكل لهم عملاً يمكن التذكير بوجودهم على الساحة الدولية.‏

في السلوك العام كانت الإدارة الأميركية قد اعتادت أن توكل إلى الأوروبيين الأدوار التي تعتقد أنها لا يليق بأميركا أن تقوم بها نظراً لدونيتها ومحدودية عوائدها السياسية والاقتصادية، وأن تسند إليهم المهمات التي تحاول أن تنأى بنفسها عن الرواسب التي تخلفها، وكان من الطبيعي أن تجد نفسها في حرج واضح، حين شعرت بأن الحليف التقليدي والأقرب إليها اليوم يبتعد بهذا الشكل المفاجئ وغير المتوقع، فيما البقية كانت تتدرج في مواقفها من الرفض إلى دعوة الانتظار.‏

وعندما تحركت ماكينة الضغط الأميركي بدت كل المواقف الأوروبية مرشحة لعدوى الموقف الأميركي بما يحمله وما ينطوي عليه ولم يتردد الكثير من الأوروبيين في تكرار الكذب الأميركي بحرفيته إرضاء للسيد الأميركي وربما اتقاء لشر غضبه المؤجل لحين الخروج من الورطة.‏

وفيما كان الفرنسيون يتباهون بأنهم الأقرب إلى الأميركيين ويستثمرون في ذلك إلى الحد الأقصى بما في ذلك الغمز من قناة الأوروبيين «العاجزين» عسكرياً، جاء التلويح الأميركي بأوراق ضغطه ليدفع بالألمان إلى تعديل سلوكهم، والتوقيع على ما أملته أميركا على حلفائها الآخرين في قمة العشرين، في خضوع مريب تجنباً للغضب الأميركي الذي يهدد بإغلاق الباب أمام الحلم الألماني بطرق باب العضوية الدائمة في مجلس الأمن.‏

لذلك جاءت عدوى الداء الأميركي لدى الأوروبيين مضاعفة، وكان لا بد أن تستدرج موقفاً يتناغم مع عقدة التبعية الأوروبية الدائمة لأميركا باعتباره داء عضالها المزمن الذي لا شفاء منه، وتزيد أعراض العدوى بداء الكذب الأميركي من مشاهد الهلع الأوروبي وإدمانه الخنوع للهيمنة الأميركية الطاغية على مفردات الخطاب الأوروبي، ليكون على مقاس الكذب الذي يتسابق أركان الإدارة الأميركية لتسجيل السوابق فيه.‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية