تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ويلات الحروب ..من فلسطين إلى العراق

ترجمة
الأربعاء 9/4/2008
ترجمة: حسن حسن

البيئة بكل مافيها من مكونات ومقومات هي الوطن العام البيئي للإنسان.. لكن إنسان العصر الحديث, قد اندفع اندفاعاً محموماً نحو إشباع شهواته ونزواته من كل ماتقع عليه عيناه, وطمع الحصول والهيمنة والاستيلاء على الموارد الطبيعية,

بشتى أنواعها المتجددة وغير المتجددة والدائمة ما نتج عنه الهيمنة وفرض الوصايات, واستخدام القوة للسيطرة على هذه الثروات, بواسطة الحروب والتدمير دون إدراك أن هذه الحروب سوف تؤثر على البيئة العامة, وتؤدي إلى أضرار بيئية وصحية واجتماعية واقتصادية بسبب التلوث الناتج عن استخدام المواد الكيميائية والبيولوجية والاشعاعية واليورانيوم والألغام وغيرها.‏

وتؤدي الصراعات أيضاً إلى تدمير البنى التحتية كأنظمة الري, وتدني الإنتاج الزراعي ما يخل بالنظام الغذائي, ويساهم في انتشار المجاعات وسوء التغذية. وعندئذٍ يؤدي إلى تدفق أعداد هائلة من اللاجئىن تتركز في المناطق النائىة والأقل كثافة سكانية, وهذا بدوره يحدث استنزافاً بالموارد لتلبية الحاجات الحيوية.‏

وعندما يدوم أمد الصراع, كما في الأراضي الفلسطينية, المتأثر بصورة مباشرة وغير مباشرة بالأنشطة العسكرية, يضاف إليها تدهور بيئي عام وذلك بسبب انهيار البنية الإدارية. فتدمير شبكات جر وتنقية المياه قد فاقم من مخاطر تلويث المياه الجوفية غير المحمية. كما أن تهدم المباني يطلق المواد الضارة الخطرة في الهواء والتربة وفقدان نظام جمع القمامة, يؤدي أيضاً إلى تفسخ النفايات في الهواء الطلق.‏

هذه الحالات البيئية المتردية تنتهي, لتصبح أشد فتكاً من النزاعات المسلحة المسؤولة عنها. وهي قابلة للاستمرار لأن توقف الاعتداءات لايعني بالضرورة عودة السلام العاجل إلى بيئة نقية ومأمونة. وتعتبر الأسلحة الكيميائية أحد أنواع أسلحة التدمير الشامل, وهدفها الإنسان والحيوان والنبات, كما تعتبر البيئة أحد أهدافها, وهذه الأسلحة الكيميائية, تسبب التلوث للهواء والماء والتراب والنبات لتنتقل عن طريقها إلى الإنسان. ومن أنواع تلك الأسلحة غازات الأعصاب كالزارين والغازات الكاوية الخردل الحارق والمسيلة للدموع وغاز الهلوسة, وهي غازات قاتلة أو مزعجة وتشل القدرة, وتستمر في البيئة لمدة زمنية معينة.‏

ويكشف التقرير الدولي الثاني الخاص بالموارد المائية أن الحروب وعمليات التعذيب والاضطهاد قد جرت معها حوالى 17 مليون لاجىء , وأن هذه الهجرات سوف يكون لها بالغ الأثر على الموارد المائية لتلك المناطق التي يرتحلون إليها. كما أن منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد هي من أكثر المناطق عرضة في العالم إلى مثل تلك المشكلات.‏

المياه في العراق‏

بعد حرب الخليج الأولى, أصبح 30% من احتياطي الماء في الكويت غير صالح للاستعمال خلال عشرة أعوام. ويلاحظ اليوم أن من بين السكان المدنيين في العراق الذين تعرضوا للقصف بالمواد الكيميائية والبيولوجية واليورانيوم المنضب أنواعاً من أمراض السرطان النادر, وحالات التشوه الخلقي لدى الأطفال, وإسقاط الأجنة, ومشكلات نفسية وعصبية بالغة الخطر.‏

وقد كان أطفال العراق ضحايا الحروب, التي شهدتها المنطقة منذ ثلاثين عاماً, كالحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي, والتي دامت ثماني سنوات. كذلك حرب الخليج الثانية عام 1991 التي ألحقت أضراراً بالغة في البنى التحتية للعديد من الدول.‏

وقد أدى تدمير مناطق المستنقعات في جنوبي العراق إلى نزوح السكان, وأيضاً إلى اندثار العديد من اللغات والثقافات الراسخة في بيئتها الطبيعية.‏

حوالى 700 بئر نفطية أحرقت في الكويت عام ,1991 وتدني درجات الحرارة أو إصابة شبكات مياه الشرب بحالات تسمم, ناجمة عن الحرائق الضخمة قد أدى إلى سقوط أكثر من 100.000 قتيل.‏

وكان العراق قد رزح تحت العقوبات الصارمة التي فرضتها الأمم المتحدة, غير أن برنامج النفط مقابل الغذاء عام 1996 قد سمح للحكومة العراقية بيع النفط واستخدام عائداته في شراء المواد الإنسانية, ما مكنها من تفادي أثر العقوبات المفروضة, والنتائج الجسيمة الناجمة عنها, ولكن في جزء ضئيل منها.‏

وقد أظهر تقدير جزئي أشرفت عليه منظمة الرعاية بالطفولة التابعة للأمم المتحدة( اليونسيف) في بغداد عام 2003 أن سوء التغذية لدى الأطفال قد تضاعف قياساً للوضع الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب. ستة أطفال من عشرة أصيبوا بمرض الإسهال, قاد إليه النقص في المواد الغذائية وغالباً إلى الموت إذ لم يتلقَ الطفل العلاج المناسب. ويلاحظ أن 270 ألف طفل ولدوا بعد الحرب, لايتلقون أياً من اللقاحات اللازمة حتى وخدمات التلقيح الروتينية توقفت. أضف إلى ذلك أن مخزونات الدوائيات الأساسية والإمدادات الطبية, قد تعرضت للتلف بسبب نقص إمكانيات التبريد. كما أن أقنية الصرف الصحي تلقي بمئات الأطنان من المياه المالحة في نهري دجلة والفرات. والمنتجات الكيميائية المستخدمة في تنقية المياه, تعرضت للنهب أو الإتلاف, وكمية المياه التي يتم ضخها إلى المنازل ضئيلة جداً ,وتؤدي إلى حصول حالات مرضية ونقص تغذية شائعة لدى الأطفال.‏

وأشار تقرير صادر عن وزارة التربية العراقية, أعدته الحكومة العراقية بالتعاون مع منظمة (اليونسيف ) مطلع عام ,2000 أن المناطق الأكثر تضرراً 70% من المدارس الحكومية لاتصلها خدمات المياه, وحسب تقرير نشرته معاً في 30 حزيران 2007 مؤسسة الرعاية البريطانية أوكسفام ولجنة التنسيق للمنظمات غير الحكومية في العراق, أن حوالى 8 ملايين عراقي بحاجة عاجلة إلى الماء وأنظمة التنقية, وبالإجمال فإن 70% من العراقيين لايستفيدون من الموارد المائية, مقابل 50% عام .2003‏

ولهذا, فإن الوعي بالآثار الناجمة عن النزاعات قد قاد عام 1977 إلى توقيع اتفاق يحظر المساس بالبيئة سواء أكان لأغراضٍ عسكرية أم لأغراض عدوانية أخرى. وقد ازدادت المبادرات الرامية إلى الوقاية أو الحد من النزاعات, وكذلك من انتشار الأسلحة الفردية الخفيفة. كما أن التعاون في مجال حماية وإدارة البيئة, يمكن أن يساعد أيضاً في الحفاظ أو إعادة بناء السلام. والقضية البيئية يمكن أيضاً أن تشجع على درء مخاطر النزاعات لا بل أن تصبح المحرك الأساس لبناء استراتيجية إقليمية قائمة على التعاون والتنمية, على سبيل المثال مبادرة حوض النيل, التي تضم البلدان المتشاطئة, والمنظمات الدولية التي أدت إلى مراعاة مصالح الجميع والحفاظ على البيئة الطبيعية, وحتى ديمومة جريان النهر.‏

لكن على المجتمع الدولي واجباً آخر هو ضرورة التمسك بتدعيم الوسائل القانونية والآليات اللازمة لحماية البيئة زمن الحرب. بما فيها إنشاء محاكم جزائية دولية متخصصة, لأنه لابدّ من اعتماد قوانين جديدة صارمة للحد من المخاطر البيئية والصحية. كما يجب تحديد التعويضات التي يمكن أن تمنح للمتضررين, وتطوير أنماط جديدة من التعاون تتعلق بالمخاطر البيئية, ووضع اليد على الموارد الحيوية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية