|
كل أربعاء في لغة الحساب الجامدة, التي غالباً ما تقيم كفتي الميزان على العدد ونوع السلاح ومصادر الدعم والمساندة ,وبموجب هذه اللغة الجامدة, فالأقوى هو القادر على زج أعداد كبيرة من البشر في صراعه, واستخدام السلاح الأفضل, وخلفه تقف جبهة عريضة لا ينقطع دعمها, ولا تجف ضروعها من المدد و المساندة. ميزان القوة وفق هذا المفهوم لم يصمد طويلاً أمام تجارب حبل بها التاريخ, منذ عصور النبوات الأولى إلى أيامنا الحاضرة, حيث انتظمت معادلات جديدة, على أساس فرز جديد لعناصر القوة, ومكوناتها المختلفة, فلم يعد العدد مرجحاً, ولا السلاح صاحب الكلمة الفصل, ولا مصادر الدعم هي الحاسمة. هي مكونات مطلوبة, لكنها لا تحسم صراعاً, حين لا يسعفها سلاح العدل, ولا تنتج نصراً حين لا تمتلك حقاً مشروعاً, ولا تصنع تاريخاً حين لا تصغي لحقائق التاريخ وقوانينه في إدارة كل صراع. شواهد التاريخ القريب في القرن الماضي كثيرة, من المقاومة الفرنسية, إلى المقاومة الفيتنامية, إلى المقاومة الجزائرية, فالمقاومة الفلسطينية وتجلياتها الراهنة في فلسطين ولبنان. في كل تلك الشواهد, كان ميزان القوة وفق الحسابات الجامدة, مرجحاً للقوى التي خسرت صراعها في النهاية, واندحرت أمام مقاومة, عددها قليل, وسلاحها متواضع, لكن صراعها عادل, وحقها ساطع, وقوانين التاريخ تسند خطاها على طريق الحرية. في الصراع العربي الصهيوني, والذي يطيب للكثيرين اليوم أن يوجزوه بصراع فلسطيني-صهيوني لا يمكن الركون إلى موازين القوة البادية على السطح, والتي تظهر المقدرة الصهيونية من خلالها شديدة التفوق في السلاح ومصادر الدعم, باعتبار أن حركة المقاومة التي تواجهها منذ ستين عاماً و أكثر, لم ينكسر خطها البياني, ولم يتراجع زخمها في العقود الماضية ولم تضيع بوصلتها, التي ترشدها دوماً نحو فلسطين المجسم الصريح لحقوقها, ومطلبها العادل, وكوكبها الدري الذي يضيء درب أجيالها على مر عقود. طور الاحتلال الصهيوني, سلاحه ونظريات الحرب في دواوينه العسكرية, وطورت المقاومة رجالها ووسائلها وأسلحتها الخفيفة, وأبقت على الصراع مفتوحا, على أرض لم تكن يوماً موضع نزاع,بل موضع اغتصاب, وفق كل شرائع الحق و العدل. وإذا كنت جبهة المساندة والدعم للمقاومة قد ضاقت, حتى بين العرب أنفسهم فإن جبهة المساندة و الدعم للاحتلال قد وصلت إلى ذروتها, دون أن يغير ذلك كثيراً في ميزان الصراع,طالما أن مستلزماته في مشروع المقاومة, لا تتجاوز أرتالاً من المقاومين وما يكفيهم من السلاح والذخيرة. إن أهم ما أنجزته المقاومة في العقود الماضية, أنها أبقت الصراع مفتوحاً, في مشهد عالمي شديدة القتامة, وسلبت المحتل أمناً يبحث عنه منذ ستين عاماً, وزعزعت ركائز الفكرة الصهيونية التي سخر العالم لرواجها كل السلاح والمال, وأهدر من أجلها الكثير من الدماء, التي استولدت طاقة كبرى في أكثر من حركة مقاومة يخضر نبتها اليوم في شعاب العرب. نحن إذن أمام موازين جديدة للقوة, لا يحسم فيها العدد صراعاً, ولا ينتزع السلاح نصراً,ولا يكتب تاريخاً, مهما تعددت مصادر دعمه (فأرتال من المقاتلين,يعرفون حقهم,وأسلحة متواضعة لا تخطئ أهدافها في وهج حق ساطع) وإرادة لا يقوى العالم على هزيمتها, حين يتقدم أصحابها, بخطا ثابتة لينتصروا, وشواهد التاريخ في رؤوسهم راسخة كالجبال. |
|