تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليبرمان يمد لسانه لاتفاق أوسلو

شؤون سياسية
الخميس 9-4-2009م
علي الصيوان

تتوالى الإشارات الواردة من الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب عامة، في توكيد الإجماع على أن افيغدور ليبرمان يميني متطرف،

وعلى أن تربعه على رأس الدبلوماسية الاسرائيلية ليس علامة مشجعة للمضي قدماً في عملية السلام ولاسيما بعد أن سحب وزير خارجية «اسرائيل» الجديد هذا رهان كل من واشنطن والجانب الفلسطيني المفاوض على مؤتمر آنابوليس من التداول. بما في ذلك مؤتمر موسكو، المحكي أنه سينعقد الصيف القادم في إطار الرباعية.‏

ليبرمان قال: إن حكومة نتنياهو ليست ملزمة بأي اتفاقات أو تفاهمات لم تصادق عليها الحكومات السابقة.‏

فماذا بعد؟ إن الشلل يتهدد بعثة جورج ميتشل للإقلاع بعملية السلام انطلاقاً من التفاهمات التي ارتضاها الجانبان الفلسطيني المفاوض والاسرائيلي على أساس «رؤية بوش» رؤية حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب.‏

«هآرتس» الاسرائيلية، في 2/4/2009، قالت: إن عدداً من الدبلوماسيين الأوروبيين أكد ضرورة أن تصدر «اسرائيل» موقفاً تقبل فيه مبدأ الدولتين، وإلا فإنه يجب تجميد عملية تطوير العلاقة معها.‏

وقد لفتت الصحيفة الأنظار إلى أن مادة النقد الحاد الذي يوجه إلى «اسرائيل» مع مطلع عهد حكومة نتنياهو، هي التي تتعلق بسياسة هذه الحكومة حيال الجانب الفلسطيني المفاوض، في شأن استمرار المفاوضات أصلاً، ثم في مسألة بناء المستعمرات، وهدم منازل الفلسطينيين في القدس، ورفع الحصار عن قطاع غزة، أي بما تميد الأرض تحت أقدام اتفاق أوسلو و الاتفاقات الموقعة بين «اسرائيل» والسلطة الفلسطينية.‏

وحيال استهلال كهذا لحكومة نتنياهو الموصوفة بالتطرف اليميني، فإن الدبلوماسية العربية، المعنية بمبادرة السلام العربية، المتروكة على الطاولة عرضة لجدولة زمنية يتوضع فيها زمام الأمر بيد «اسرائيل» قبولاً أو رفضاً،.. هذه الدبلوماسية العربية باتت معنية بإلحاح بالإجابة عن سؤال التفريق بين يميني ويساري في «اسرائيل» ثم بين يميني متطرف مثل ليبرمان، وبين يميني مثل نتنياهو.‏

والإلحاح في إجابة هذه المسألة وثيق الارتباط بالبيئة السياسية التي ترعرعت في تربتها فلسفة التسوية مع العدو، بدءاً من مبادرة السادات وصولاً إلى مبادرة السلام العربية، ومروراً باتفاق أوسلو، الذي حدد ليبرمان مساره اللاحق تحت عنوان التنيسق الأمني مع الفلسطينيين، قصراً وحصراً.‏

ومن دون أن نستبق التطورات، نستطيع الجزم أن المبعوث الرئاسي الأمريكي جورج ميتشل لمقاربة عملية السلام في الشرق الأوسط، قد فقد وظيفته.‏

إذ هل في مستطاع ميتشل التحاور مع حكومة نتنياهو في شأن سلام لاتؤمن به؟‏

وإلى أي مدى يمكن للاتحاد الأوروبي أن يذهب في النقد وإبداء الملاحظات على مسلك الحكومة الإسرائيلية؟‏

والأهم: ما المدى الزمني لرهان الدبلوماسيات العربية على إمكان قبول «اسرائيل» بالمبادرة العربية، قبل القطع، إيجاباً أو سلباً في إبقائها على الطاولة؟‏

فيما يخص الولايات المتحدة، فإن العامل الصهيوني أحد محددات سياستها الخارجية، وفي الأخص سياستها الشرق أوسطية، وقد سبق لـ «إيباك» هذا التكتل الصهيوني، الشامل للمتصهينين، أن استنبط ما يجب من سياسات، يعود معها الانسجام التام لعودة الانسجام التام بين واشنطن وتل أبيب، حتى بعد شوائب محاكمة الجاسوس الاسرائيلي الكولونيل محلل المعلومات في البحرية الأمريكية جوناثان بولارد 1985، وإدانته بجناية التجسس، التي تعدها «اسرائيل» انجازاً لمهمة يستأهل عليها المكافأة والترقية.‏

يلي المصير المرتقب لإعادة صياغة الدبلوماسية الأمريكية بما يحتوي تطرف حكومة نتنياهو اليمينية، ويحابيه ويساند أجندته، وهي العدوانية، التحاق سياسة الاتحاد الأوروبي بالسياسة الشرق أوسطية لواشنطن متخطياً الانتقادات الخجولة التي يبديها حيال ليبرمان.‏

وبه فإن الكرة مقذوفة في الملعب العربي، ليس وحسب في شأن أمد الجدولة الزمنية لإبقاء المبادرة العربية على الطاولة، بل أساساً في شأن الفلسفة السياسية التي يدار معها الصراع مع العدو الصهيوني بالمبادرات.‏

وهذه الفلسفة تستوجب المراجعة لأن الصراع لايدار بالمبادرات، والتنازل الذي تنطوي عليه كل مبادرة بـ «سخاء» أعظم من سابقاتها، إنما ينطلق من وهم يفترض أن «اسرائيل» لابد أن تخجل «هذه المرة» من هذا السخاء المضاف!‏

وهذا وهم لأنه يستنسخ في السياسة الوضيعة التي تحاول استثارة الخجل لدى الذئب كلما أطعمته من لحم كتفك!، لسبب بسيط و جوهري هو أن هناك ذهنية حاكمة للشارع الاسرائيلي، ينتفي معها المفهوم المتعارف عليه في العالم لليمين واليسار، هي التي تصطفي لعضوية «الكنيست» والحكومة والمواقع القيادية، الأشد سفكاً للدم العربي، والأشد تطرفاً، على النحو الذي ترجم معه معتنقو هذه الذهنية توجهات ليبرمان الخاصة بالترانسفير، إلى اجراءات عملية، كما في اغتصاب مجموعة من المستعمرين منزل مواطن مقدسي في 2/4/2009 وهم يحاججون أن ملكيتهم لهذا المنزل تعود إلى ثلاثة آلاف سنة!! وهي الذهنية الحاملة بقبول القضاء في اسرائيل، جواز النظر في محاججة كهذه!.‏

فهل من مسوغ بعد للدبلوماسيات العربية أن تبقى دبلوماسيات؟ أم تتحد في خطاب مراجعة مسؤولة تستقرىء الوقائع المستقلة عن الأوهام؟‏

وفيها، بصفة خاصة، الوهم في الحديث عن «يمين» صهيوني، يزعم البعض أنه الأقدر على صنع السلام، وشاهدهم بيغن قبل ثلاثين عاماً، الذي حقق لـ «اسرائيل» خرقاً غير مسبوق في الصف العربي، ويسمونه «السلام»؟‏

أما بعد أن مد ليبرمان لسانه لاتفاق أوسلو، فأي قيمة تبقى لمحاولات استدراج المقاومة الفلسطينية إلى الاعتراف بـ «اسرائيل» من باب إكراهها على الالتزام بـ «الاتفاقيات الموقعة» كشرط لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية يتعامل معها الغرب: أمريكا والاتحاد الأوروبي، ومن أجل إعادة إعمار غزة!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية