|
شؤون سياسية والتبعية إلى الحالة الطبيعية بالوحدة والكيان الواحد، أي إلى دولة الأمة الواحدة التي تمثل الحق الطبيعي لكل شعب كما هو الحال عليه في عالمنا المعاصر، لكن حزب البعث العربي الاشتراكي قد رفع شعاراته، وأهدافه تجاه الانطلاق في عقيدته السياسية من الأساس التاريخي للمجموعة العربية التي تسكن الجغرافيا الممتدة مابين جبال طوروس وزغروس إلى المحيط الأطلسي بأنها تمثل أمة عربية واحدة ائتلفت عبر آلاف السنين بعقد اجتماعي، وتاريخي، وحضاري وثقافي من خلال لغة واحدة، وتاريخ واحد، وآمال ومصالح وإرادة في العيش المشترك واحدة، وأرض، ومشيئة واحدة. وبهذا التوجه جعل البعث في رأس نهجه.. الفكري والسياسي بأن العرب أمة واحدة، وأن الوطن العربي وحدة سياسية واقتصادية، وأن الأمة العربية وحدة ثقافية وحضارية، وأن رسالتها عبرتعاقب العصور مستمرة ولم تنقطع، ظهرت وتظهر بأشكال متجددة في مراحل التاريخ لتخدم الإنسانية التي هي بالأصل مجموع متضامن في مصالحه ومشترك في قيمه، وأن المصلحة العربية العليا للأمة العربية لها رجحان كبير على كافة المصالح القطرية الضيقة. وعبر هذا المنهج القومي التوحيدي للبعث منذ ميلاده في 7-4-1947 كانت أدبيات البعث توضح أنه حزب قومي يؤمن بأن الشعور القومي الواعي هو شعور مقدس، وأن القومية تمثل حقيقة حية في ضمير العرب، و الفكرة القومية التي يدعو إليها البعث هي إرادة الشعب العربي في أن يتحرر ويتوحد، ويحقق شخصيته التاريخية الحضارية. وفي دستوره الذي أقره المؤتمر التأسيسي الأول للبعث من 4-7/4/1947 حدد البعث ذاته بأنه حزب شعبي يؤمن أن السيادة هي ملك الشعب، والشعب مصدر كل سلطة، وقيادة، وأن الدولة تبنى بإرادة الجماهير، ومشروعيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها، كما أشار البعث إلى إيمانه بالانقلاب على الواقع الفاسد، والنضال من أجل تغييره، والعربي في دستور البعث من كانت لغته العربية، وآمن بانتسابه إلى الأمة العربية، وعاش على الأرض العربية، أو تطلع إلى الحياة فيها، والرابطة القومية رآها البعث أنها الوحيدة في الدولة العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين، وانصهارهم في بوتقة واحدة، أي بوتقة أمة واحدة. وهي- رأي الرابطة القومية- تمنع العصبيات المذهبية، والطائفية والقبلية، والعرقية، والإقليمية. وحين تحرك البعث في نضاله القومي جعل الوحدة هي ثورة العرب على كل شأن استعماري، أو تجزيئي أو تبعي، أو تخلفي، فالرجحان للوحدة على بقية الأهداف نتيجة الإيمان الراسخ بأن وحدة النضال القومي هي المعبر إلى كل تحرير وحرية، وديمقراطية على صعيد الوطن الكبير، ولذلك فالسياسة التي تخدم العقيدة الوحدوية عند البعث ربطت دوماً بين الأمة، والوطن الكبير، والوجود العربي الواحد، والمصير العربي الواحد، والنضال العربي الواحد. وعبر هذا الربط نجح البعث في أن يرث المشروع النهضوي العربي الذي انطلق منذ منتصف القرن التاسع عشر، ونجح في تمثيل حركة الاستقلال العربي والوحدة العربية في النضال ضد العثمانيين، والأوروبيين، ونجح في تصويب اتجاهات التيارات السياسية العربية في فترة مابين الحربين العالميتين أي من 1918-1939 فأنزل الفكرة القومية العربية من أيدي الارستقراطية إلى أرض الجماهير الشعبية لتغدو المحرك الأهم في النزوع العربي إلى التوحد والتحرر والديمقراطية. وحين نحلل عقيدة البعث سنجد أن مرتكزاتها هي: الأمة الواحدة، والوطن الواحد، والثقافة الواحدة، والحضارة الواحدة، والحق التاريخي في إقامة الدولة القومية للعرب، الدولة الأمة. وقد تميزت عقيدة البعث في الربط التفاعلي بين الأمة كذات نشوء تاريخي أسبق، لمقوماتها المتعددة، ثم لعقدها الاجتماعي الموغل في القدم، فهي بالنسبة للبعث الوعاء الكامل، والمظلة العليا، والائتلاف التاريخي. وبين القومية كتصميم إرادي يرتكز على تراث الأمة ويستدل على وجودها بالعقل، وعلى مقوماتها كذلك. ويدرك البعث أن القومية تتجلى عندما تعي الأمة ذاتها، فهي مفهوم لاحق لوجود الأمة لذلك ظهر في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر إلى يومنا هذا، كما يدرك البعث أن القومية بمقدار ماتمثل الرابطة المقدسة والشعور المقدس الذي يربط العربي بالوطن العربي، وبالأمة، وبالأسرة العربية الواسعة، كذلك تدخل العروبة في صلب هذا الإدراك، والعروبة- كما وصفها السيد الرئيس بشار الأسد - هي: (معنى حضاري، العروبة لاتنفي الأعراق ولا الثقافات، ولا اللغات، ولا مكونات المجتمع العربي، وهي التاريخ الطبيعي لمنطقتنا، فهي الجامع الوحيد، والأقوى لهذه المكونات التي نعتبرها غنية، وتصبح غنية بوجود العروبة، وفقيرة وضارة من دون وجودها». وبناء عليه تقف الرؤى التجديدية في فكر البعث ومنطلقاته التي يقودها السيد الرئيس الأمين القطري للحزب لتبحث في قضية مركبة، ومكوناتها متداخلة، متضايقة، متبادلة التأثر والتأثير، فالقومية حين بنى البعث عقيدته الوحدوية عليها كانت في النصف الأول من القرن العشرين تمثل إرادة الأمة في دولتها القومية أسوة ببقية أمم الأرض، وحين حملها كعقيدة سياسية في النصف الثاني من القرن ذاته باعتبارها كانت تمثل روح الأمة المتطلعة نحو الوحدة والتحرر. |
|