تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سَــحَرَهُمْ الشــرق فخلّـــدوا صورتــه فـــي آدابهـــم..

ثقافة
الخميس 9-4-2009م
هفاف ميهوب

أخذهم سحر بلاد الشرق وعشقوها، فجابوا أنحاء معمورتنا بهدف استكشاف حضارتنا التي أدهشتهم التصاميم والآثار فيها.

بل الآداب التي نقلوها وترجموها لتنهض حضارتهم على حصيلة معارفنا، تلك التي اكتسبها هؤلاء المستشرقون بعد أن أتقنوا لغتنا العربية وبعد أن ألفوا الكثير من الكتب التي عكست صورتنا نحن العرب في الآداب العالمية.‏

لأجل هذا ولأن صورة العرب والمسلمين التي قدمها رحالة الغرب، باقية في كتاباتهم، أقيم في جامعة دمشق وتحت رعاية الدكتور (وائل معلا) رئيس الجامعة، مؤتمراً علمياً بعنوان (صورة العرب والمسلمين في الآداب العالمية)..‏

صورة اليمن في كتابات الرحالة الألمان‏

إنه عنوان البحث الذي قدمه الدكتور (مسعود عمشوش) المدرس في جامعة عدن والذي تحدث فيه عن استمرار اجتذاب اليمن للرحالة والباحثين الأجانب الذين ومنذ مطلع القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا. ما زالوا يعملون على جمع المعلومات الانتربولوجية المتعلقة بالسكان وخلفيتهم الاجتماعية والفكرية والدينية ليس فقط السكان الذين يعود أصلهم الى اليمن وإنما لمئات الألوف من المهاجرين والمولدين والذين يعيشون اليوم في بلدان شرق آسيا وافريقيا والخليج العربي، ومناطق كثيرة من العالم.‏

تناول الدكتور مسعود في بحثه، صورة اليمن في كتابين اثنين من أبرز الرحالة الألمان الذين زاروها بين سنة 1930-1957 وهما (هالسن هليفرتيس) مؤلف كتاب (اليمن من الباب الخلفي)و(إيفا هوك) مؤلفة كتاب (سنوات في اليمن وحضرموت)...‏

في هذين الكتابين تم رصد العادات والتقاليد والحياة اليومية في اليمن إضافة الى الصورة التي رسماها للإنسان اليمني بشكل عام والمرأة بشكل خاص وذلك من خلال قيامهما بالسرد والوصف المعتمد على الواقع والخيال وبشكل فيه من التشويق والإثارة ما دفع الدكتور صاحب البحث لإنهاء دراسته بتوضيح نوع العلاقة التي أرادا أن ينسجاها مع سكان تلك المنطقة ولا سيما مع الإمام والسلاطين والسلطات البريطانية المسيطرة في ذلك الوقت...‏

البادية العربية في أدب الرحلات الفرنسي..‏

وقد قدمت (سوسن قطيني) الدكتورة في قسم اللغة الفرنسية، أنموذجاً لصورة العرب والمسلمين في أدب الرحلات الفرنسي من خلال الرحالة الذي جاب الشرق خلال القرن الثامن عشر (قسطنطين فرانسوا فولني) الذي قسم السكان في الشرق الى جماعات رعوية وحضرية وكان ما ذكره عن تجربته مثالاً أمام رحالة الغرب وأمام العالم الذي وعندما يقرأ كتابه (الرحلة الى مصر وسورية) -1783-1785م- سيدرك أن ما سعى إليه يؤدي دوراً كبيراً في معرفة الآخر من خلال الصورة التي هي الرؤية الجيدة..‏

أقام (فولني) في سورية ومصر زهاء ثلاث سنوات، عمّق خلالها علاقته باللغة العربية، وتنقل بين البيئات الحضرية والبدوية المتنوعة. وبجرأة وملاحظة قال بعدها: «كيف استطاعت تلك الفئة السكانية الحفاظ على عادات موغلة في القدم؟).‏

ورغم انتقاد (فولني) لبعض العادات البدوية مثل (الأخذ بالثأر) إلا أنها من وجهة نظر أخرى تعتبر دليلاً على أن إنسان البادية رجل محارب بامتياز.. ولاسيما إن تم تدريبه..‏

أما عن أبرز ما اكتشفه من صفات لدى إنسان البادية فالكرم والضيافة ويقول عنهما: «البدوي مخلص في كرمه وهولا يعدّه فضيلة، بل واجب وذلك لأنه يعتقد أن له على غيره ما لغيره عليه»...‏

إذاً، لقد قدم هذا الرحالة، أدباً أوجز فيه تجاربه في الشرق، بشكلٍ حاول أن يكون صادقاً وموضوعياً في محاولته البحث عن الحقيقة وتقديمها كمثال يحتذي به رحالة الغرب اللاحقين...‏

بلاد الشام في رحلات لامارتين وفلوبير‏

ومن جامعة دمشق أيضاً، قدمت لنا الدكتورة (مها بياري) ما تناوله الأديب الفرنسي (لامارتين) في كتابه (رحلة الى الشرق) -1835- وكذلك (فلوبير) في مراسلات -1851- عن الشرق.‏

اعترف (لامارتين) أن ما رآه في بلاد الشام يختلف عما قيل له عن بعض من خدعه من الرحالة ويقول: «كنت قد خدعت بما قالوا، أي بلد دون مدى.. وبعض من التلال الرمادية والبيضاء حيث يختبىء العربي الحرامي».‏

وكما جاء أيضاً في رسالة (فلوبير) الى أمه عندما كان في القدس وكان ذلك عام 1850:«تبدو لي البلاد رائعة،على عكس ما تُعرف به»...‏

لم تكن محاولة رصد صورة العربي في وعي الغربي عملية سهلة. ولا سيما مع قيام محاولات هدفها تشويه الوقائع والحقائق، بل طمسها لتحقيق مآرب ومصالح معينة لتكون رحلة الاستكشاف صورة صادقة نابعة من رؤية مميزة للآخر ولأرضه التي عانت من الاستثمار منذ ذلك الوقت وما زالت...‏

يقول( لامارتين) عن القدس مدينة السلام التي وصفت وصفاً بشعاً من أعداء حضارتنا:« إن لفته ذكية تكشف عن تشابه سري وعميق ما بين الوطن والرجل العظيم».. ويقول عن الشرق بعد رحلته:« إن كان أفقي قد توسع ونظراتي قد امتدت.. فلأنني غالباً ما غيرت المشاهد ووجهات النظر... نحن ندرس كل شيء في كتبنا البائسة... فلنفتح كتاب الكتب، فلنعشه، فلنرَ.. فلنسافر...‏

الرحَّالة الرومانيون‏

في الشرق وإنشاء الهوية..‏

ونتساءل ماذا كتب الرحالة الرومان عن الشرق الأوسط، لنعرف الإجابة بعد سماعنا للدراسة التي قدمتها الكاتبة والمدرسة في جامعة بوخارست برومانيا- ( إرينا فانيوفسكي) والتي هي باختصار- فهم الآخر من خلال فهم الذات- سواء فهم حياته أو ديانته... إنه الآخر القريب والآخر البعيد الذي ذكرته الكتابات الأدبية الرومانية في القرن التاسع عشر مركزة على المسيحيين في الداخل والخارج... وكذلك على المسلمين‏

أعجب الرحالة الرومان بالمسلمين بسبب حفاظهم على طقوسهم الدينية والتزامهم بها. وخاصة وهم يشعرون بإهمال المسيحيين لبعض طقوسهم... إنه النموذج السيىء الذي تسبب في نشر صورة غير صالحة الآن، الصورة المتخيلة أو المستقبلية عن الآخر قابلة للجدل والحوار والتعديل. فمعرفة الأنا تعتمد على معرفة الآخر جيداً..‏

صورة العرب وأثر ثقافتهم في أدب فيديريكو لوركا...‏

يفتح الدكتور / راتب سكر/ نوافذ على عالم لوركا فندخل لنشاهد أثر ثقافة العرب في أدبه. ..بل في شعره ومسرحه ومقالاته...‏

وجد لوركا في التراث العربي الأندلسي والشخصية العربية ملاذاً لصياغة القيم المنشودة في فنه، لطالما عاند هيمنة الغرب على مقدرات اسبانيا- الغرب الذي يساند حكمها الملكي المطلق...‏

ترك/ لوركا/ الذي استشهد في الحرب الإسبانية الأهلية /1936-1939/ مؤلفات شعرية ومسرحية وأدبية متنوعة- ترجم معظمها من الإسبانية إلى العربية. وقد أشار الدارسون العرب والأوروبيون إلى اهتمامه بصورة العرب والمسلمين وأثر ثقافتهم وحضارتهم في أدبه.‏

ليسنغ والشرق..‏

ومسرحية ناتان الحكيم..‏

إنها الدراسة التي عرض فيها الدكتور/ محمود العلي/ المدرس في جامعة الحسين بن طلال بالأردن.. نموذجاً لصورة الشرق في مسرحية/ ناتان الحكيم/ التي صدرت سنة 1779 للكاتب الألماني/ غوتهلد ليسنغ/ تدور أحداثها على أرض فلسطين أثناء الحملات الصليبية التي كان المسلم / صلاح الدين الأيوبي/ ممثلاً للمسلمين فيها بينما/ ناتان الحكيم/ ممثلاً لليهود و/حامي الكنيسة/ عن المسيحيين أبطالها الرئيسيين...‏

طرح / ليسنغ/ فكرة تآخي الأديان السماوية الثلاثة من خلال حوار بين أبطالها يتضمن مسائل دينية كما بين صورة صلاح الدين مثالية متسامحة شجاعة..‏

نماذج لصور عربية عديدة‏

في الآداب الغربية..‏

لقد تناولت غالبية مواضيع المؤتمر صورة العرب في آداب الغرب.. فكانت فاجعة الأندلس موضوع بحث للدكتور اسماعيل الأحمدي- المدرس في جامعة/ بريشتينا- كوسوفو/ وكانت صورة الأتراك والعرب في رواية / التركية لمارتين موزباخ والتي بحث فيها من ألمانيا/ أو لريكه شتيلي/ وأيضاً صورة العرب في الأمثال الشعبية الفارسية وهي دراسة قدمها من الأردن الدكتور عبد الكريم علي جرادات. وصورة المرأة العربية في قصص العشق الموجودة في الأدب الفارسي صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية لتكون الصورة الأخيرة في جلسة المؤتمر الخامسة. هي الإسلام والمسلمين في الأدب الإثيوبي...‏

صور عديدة للعرب.. والمسلمين .. صفاتهم... أخلاقهم.. معاناتهم... حضاراتهم كلها كانت محور بحث ونقاشات المؤتمر الذي ما زال في جعبة جلسته الأخيرة الكثير عن صور العرب وحضارتهم...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية