تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فيما يشبه انهياراً ثلجياً.. على الأرجح نحن من يحفر الآن!

ثقافة
الاثنين 27-10-2014
سوزان إبراهيم

مرةً أخرى يحفر «خالد حسيني» في منجم الحزن الأفغاني, مرةً أخرى يصوّر المأساة هناك من زاوية جديدة.. صاحب «عداء الطائرة الورقية» و«ألف شمس مشرقة» يعيد نكء ما كاد يندمل في الذاكرة عن حرب تمشي خبط عشواء, الحكاية الجديدة التي يقدمها في روايته «ورددت الجبال الصدى» تروي نتائج الحرب على أسرة أفغانية وأشخاص آخرين تتعالق مصائرهم مع أفراد تلك الأسرة.

حين قرأت الرواية خطر لي أننا كسوريين سنعيش تجارب مماثلة ناتجة عن حرب مازالت تطحن قمح الحياة وتحيله رملاً لا يؤكل ولا يبنى به بيت ولا يكبر فيه طفل! لقد تعرضت أفغانستان لما نتعرض له اليوم, وقد صارت المأساة منجم روايات وأفلام وغير ذلك.‏‏

مثل بلاد الشعر والورد والبلبل, كما وصفت أفغانستان, تعرضنا لما يشبه انهياراً ثلجياً غطى كل شيء, وفي مثل هذه الحالة يحدث ما قالته الشاعرة «نيلا وحداتي» إحدى بطلات الرواية: «عندما يغمرك انهيار ثلجي, وتستلقي تحت كل ذاك الثلج, فإنك لن تعرف الأعلى من الأسفل.. ستفقد الإحساس بالاتجاه.. سوف تحفر لنفسك طريقاً للخارج, لكنك ستحفر بالاتجاه الخاطئ, وبدلاً من أن تنجو بنفسك, ستقود نفسك إلى فنائك بيديك!»‏‏

نحن مطمورون بالانهيار الذي حدث, وكل منا كما يبدو من وجهة نظر منطقية يحفر لنفسه مخرجاً, أو هو يظنه مخرجاً, وقد يكون كثير منا يحفر في الاتجاه الخطأ ما يعني أننا نحفر القبور لا طرق النجاة.‏‏

أي بوصلة يتوجب علينا اتباع شمالها؟ كيف نرسم طريق خلاص جماعي بدل التخبط في حفر مسارات فردية تبدد الوقت المتبقي للخروج من تحت الثلوج أحياءً؟!‏‏

إن كان كل واحد منا يظن أنه يملك وحده البوصلة المُنجية.. فكم بوصلة وكم اتجاه!؟‏‏

والنتيجة كما يقول المنطق: حفر نحو الأسفل يعمّق احتمال الموت.. لانحو الأعلى! حفر أنفاق لا طرق نحو الأوكسجين والدفء.. هكذا سيُدفن منا كثيرون كما فيلة الماموث وستأتي أجيال لاحقة تشرّحُ غباءنا وتشتتنا!‏‏

«باري» أستاذة الرياضيات في رواية خالد حسيني «ورددت الجبال الصدى» تؤكد وجهة نظر هامة وهي ترى أن «الرياضيات مريحة.. وجدتُ الراحة في ثبات الحقائق الرياضية وديمومتها.. في قلة الكلام وغياب الغموض.. في معرفة أن الأجوبة قد تكون خادعة ووهمية إلا أنها ممكنة مهما كانت.»‏‏

بالطبع لن نختلف على حقيقة رياضية, فالجواب واحد في كل مكان وزمان- ربما- لكن المعضلة تكمن في كل ما عدا الرياضيات.. في اللغة والتأويل.. في الفلسفة ونظرياتها.. في كل ما ينتج عن الفكر الإنساني غير الرياضي... مرة أخرى نحن نتقاتل على التأويل واحتكار الحقيقة المشكوك بأمرها أصلاً من قبل أطراف أخرى.. إذ هي ليست حقيقة رياضية ثابتة تُسكت بفرضيتها وبرهانها الجميع.. هنا تبدو ديكتاتورية الرياضيات جميلة لأنها توحّد وتجمع, أما ماعداها فيلتصق بالخصوصية الفردية والهوية الشخصية والهوية القومية والهوية الدينية والإثنية وووووووووو.!‏‏

فلا عجب أن نختلف ويكثر الكلام- على عكس ما توفره الرياضيات من اقتصاد لغوي- ويكثر الغموض ليكون رداءنا الخاص وبصمتنا نحن لا أولئك أو هؤلاء...‏‏

نعم صدقت «باري» وهي تقول: إن كل الإجابات موجودة هناك- تعني في مجال الرياضيات- مجرد رسومات طباشير سوف تنتظرها لتجد لها حلاً على السبورة!‏‏

لعلنا نحتاج إلى فرق إنقاذ خبيرة تطوعت لأغراض نبيلة كهذه: إنقاذ المطمورين بأطنان من الثلوج.. لربما ينجح بعضنا بالنجاة عبر ما راكمه من خبرات وهدوء أعصاب وفكر وقّاد..‏‏

هل سينجو أتباع الحقائق الرياضية وحدهم في مثل هذه الحالة؟ أم أن الاحتمالات, وهي وجه من وجوه الرياضيات, متعددة؟!‏‏

بين يقين الحقائق الرياضية الثابتة, ثمة مبدأ الاحتمالات.. ونظرية النسبية وثمة حكمة مفيدة:‏‏

لا حقائق مطلقة أبداً سوى المطلق.. والتغير والتعدد وألوان الوجود!‏‏

suzan_ib@yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية