|
إضاءات للمرحلة بشكل موضوعي النتيجة التي انتهت إليها حرب حزيران من الناحية العسكرية وخاصة أن الدعم العسكري والسياسي الأمريكي والأوروبي لإسرائيل كان دعماً غير محدود. ولأن إسرائيل لم تكن تستهدف فقط احتلال الأرض وإنما كانت تستهدف إسقاط الأنظمة العربية في كل من سورية ومصر في محاولة منها للجم الاندفاع القومي المطالب بتحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين, وإذا كانت إسرائيل قد استطاعت احتلال الأرض إلا أنها لم تستطع هزيمة الإرادة السياسية العربية ولم تتحول الهزيمة العسكرية إلى هزيمة سياسية بدليل أن العرب اجتمعوا في قمة تاريخية في الخرطوم، شكلت رداً سياسياً على العدوان وسميت بقمة اللاءات الثلاث (لا صلح ،لا مفاوضات، لا اعتراف بإسرائيل). لقد جاء في مذكرات القادة الصهاينة آنذاك: أنهم كانوا ينتظرون على الهاتف الاتصال بهم من القادة العرب ليعلنوا الموافقة على شروط إسرائيل للاستسلام، إلا أن الذي حدث هو عكس ذلك، فعلى الجبهة السورية كانت هناك اشتباكات بين القوات المسلحة السورية والإسرائيلية شبه يومية. أما على الجانب الآخر فلم تمض إلا أشهر ثلاثة حتى استطاعت القوات المصرية إغراق أكبر بارجة عسكرية إسرائيلية وهي المدمرة إيلات في عرض البحر وفي ربيع عام 1968 استطاع المقاتلون الفلسطينيون والأردنيون هزيمة القوات الإسرائيلية في معركة الكرامة. لقد أثبتت السنوات التي أعقبت الحرب أن العرب قادرون على المواجهة والصمود أكثر مما يعتقد البعض وأنهم يمتلكون نفساً طويلاً يمكنهم من امتصاص الصدمات واستجماع القدرة على الرد القاسي والمؤثر عندما تتوفر لهم القيادات الشجاعة والجسورة التي تمتلك الإرادة السياسية القوية والرؤية المستقبلية والقاعدة الشعبية الواسعة, وهذا ما أكدته الأحداث التي أعقبت الحرب. فمع بداية عام 1968 بدأت القوات المسلحة المصرية حرب استنزاف استمرت حتى ما بعد منتصف عام 1970, ما حدا بالإدارة الأمريكية آنذاك إلى إطلاق ما سمي بـ (مبادرة روجرز) للسلام في الشرق الأوسط ومع بداية خريف عام 1970 شهدت المنطقة أحداثا هامة أثرت بشكل كبير على المنطقة، كان أبرزها أحداث أيلول الأسود وما لها من آثار كارثية على القضية الفلسطينية وكذلك الرحيل المفاجئ للرئيس جمال عبد الناصر وما تركه من فراغ. كما شهدت المنطقة أحداثاً هامة كان أبرزها قيام الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد هذه الحركة استطاعت أن تعيد صياغة الأوضاع في المنطقة، حيث بدأ معها حراك عربي أنعش الأمل لدى الجماهير العربية بإمكانية حدوث علاقات عربية تقوم على أسس جيدة للعمل العربي المشترك، أساسها التضامن بين الأقطار العربية واعتبار الصراع مع العدو الصهيوني يتقدم على أي خلافات أخرى. وهذا ما أسس لقيام حرب تشرين التحريرية عام 1973 التي جاءت لتكون الرد الحاسم على عدوان الخامس من حزيران, حيث استطاع العرب ولأول مرة منذ قيام الكيان الصهيوني إلحاق الهزيمة به وتحقيق انتصار تاريخي عليه, ولعل أبرز الدروس المستفادة من حرب تشرين أنها أثبتت أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع ذو أبعاد عالمية وأنه صراع عربي صهيوني حيث شاركت كل الجيوش العربية بالحرب وامتزج الدم العربي الطهور في ذرا جبل الشيخ والجولان وفي صحراء سيناء ليؤكد حقيقة قومية المعركة مع العدو الصهيوني, ومن الدروس المستفادة من نكسة حزيران وانتصارات تشرين أن قوة العرب في تضامنهم وضعفهم في تفرقهم، والأمر الآخر هو أن النصر العسكري إن لم يتعزز بإرادة سياسية قوية يتحول إلى هزيمة وهذا ما أثبتته التداعيات السياسية لحرب تشرين التحريرية. إن قراءة مقطع تاريخي للصراع العربي الصهيوني وفي ضوء المتغيرات التي يشهدها العالم الآن تبرز أهمية بلورة موقف عربي وفلسطيني موحد وتضامن عربي كفاحي تجاه العدو الصهيوني الذي يبدو أنه قد فقد صوابه بعد هزيمته في عدوان تموز عام 2006 وإنه قد أصيب بصداع سياسي وبدأت قياداته السياسية تكشف المزيد من عنصريتها ودعوتها لما يسمى يهودية الكيان، مناقضة بذلك أكذوبتها التاريخية التي أوهمت بها بعض قادة الغرب وشعوبه بأنها (دولة مواطنين ودوحة ديمقراطية في صحراء التخلف). |
|