|
عالم النساء لم أخدع قط بك ولم أخطىء أبداً فيك.. عرفتك قبل أن أراك ورأيتك قبل أن ألتقي بك.. وانفعلت بك قبل أن أتحدث إليك ولعلي لا أعرف كيف كان ذاك وإن عرفت ملء اليقين أنه كان.. عرفتك منذ الأبد.. مرت بي مواكب الناس أفواجاً بعد أفواج.. افتقدتك فيهم.. والتمستك بينهم وطال على الأمد وأنا أفتقدك وألتمسك. عرفتك حين كنت لا أزال في القرية النائية صبية ساذجة.. سمعت صوتك في أغاني السمار وترانيم الشعراء وفي خرير المياه وأنين السواقي وهمس الأطياف.. وخرجت الى المدينة نزحت إليها بعد أن ائتمنت القرية الوادعة على أحلام الصبا وائتمنتني القرية على النفس الخيرة والطبيعة النقية والروح الكبيرة الشاعرة.. وطبعني الريف بطابعه فكان لي منه تميمة عوذتني من سحر المدينة وعصمتني من بهرة الأضواء وضلال الأكاذيب.. وهنا في المدينة مرت بي أفواج أخرى من الناس حسبتهم شيئاً.. أزياء براقة وأصوات عالية كلا لم تكن بينهم ويستحيل أن أخدع بك أو أخطىء فيك. ومضت الأعوام عام يركض في إثر عام ومواكب الناس لا تزال تمر بي لكني كففت عن التماسك بينهم وأقمت لك تمثالاً من نفسي في نفسي وأفرغت عليه أحلامي المنتزعة من عالم المثل وآفاق المعاني كففت عن البحث وانطلقت لا أكترث لأحد ولا التفت لأحد لكنك كنت دائماً معي ثم التقيك فجأة.. ضالة العمر وحلم السنين.. نعم إنك أنت الذي عرفته منذ الأبد وفي نشوة غامرة أغمضت عيني ورحت أحلم بك بين ضجيج الناس وصخب الحياة.. لقد غبت في فرحتي بك عن الزمان والمكان.. هو بعينه كما عرفته وكما تمثلته وكما اقترحت على السماء أن يكون.. |
|