|
محطة ولأكون صادقاً مع نفسي والقرّاء الأكارم فإنني أعترف بالشعور بالانزعاج العميق والقلق والألم كلما عقد الإسرائيليون مؤتمرهم هذا,ناهيك عمّا ينشرونه (عَرَضاً) أو قصداً في الغالب من أخبار التجارب العسكرية والاستراتيجية والعلمية-التقنية, التي يقوم بها الكيان الصهيوني ليؤكد من خلالها تفوقه وقدراته الردعية والتجسسية المتطورة. مصدر الألم والقلق والإحباط أنّ الصهاينة يناقشون أمورهم بجديّة كبيرة ويحاسبون أنفسهم دون رحمة أو شفقة,ويحللون أخطاءهم دون محاباة أو (لفلفة) او (طيٍّ) أو تمويه للمشكلة ومسبّباتها أو مسايرة للمسؤولين عن حصولها,مهما كانت مناصبهم ومواقعهم. فمؤتمراتهم ليست شكلية أو برتوكولية أو روتينية لا تغوص في أعماق القضايا الإشكالية والأزمات القائمة,وكذلك لجان التحقيق لديهم,التي تُحاسب المقصّرين بشدّة ولا تجامل أيّاً كان.ولهذا من سوء الحظ أنهم نادراً ما يكررون أخطاءهم ويقعون في المطبّات نفسها لأكثر من مرة. ولقد أصبح (مؤتمر هرتسيليا) السنوي أهم وأشهر مؤتمر سياسي يعقد في الكيان الصهيوني,فمن جهة يترأسه عوزي آراد مستشار رئيس الوزراء الإسرائىلي الأسبق بنيامين نتنياهو,ويقوده من جهة أخرى اللواء (الاحتياطي) غيئورا إيلاند رئيس مجلس الأمن القومي.وبذلك يظهر للمؤتمر وجهان متكاملان- الوجه السياسي, والوجه العسكري- الاستراتيجي والأمني. صحيحٌ أن أبحاثه وأطروحاته, وتوصياته ليست إلزامية لأنها ستخضع لتحليلات وغربلات وتدقيقات أخرى في مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية غير المتاحة للجمهور وعامة الناس ووسائل الإعلام, إلا أن المستوى الرفيع للقيادات السياسية والعسكرية والأمنية الصهيونية,التي تحضره وتشارك في أعماله وجلساته النوعية,بدءاً من وزير الحرب,فرئيس الأركان ,ورؤساء الأجهزة الأمنية,ووزراء الدفاع السابقين, والجنرالات المتقاعدين وكبار الضباط العاملين في الوحدات الاستراتيجية,إضافة إلى عشرات الأكاديميين والمفكرين والباحثين وممثلي المراكز البحثية العسكرية والسياسية..وطبيعة المسائل المطروحة وخطورتها..كلّ ذلك يعطي للمؤتمر أهمية كبيرة ويؤشر إلى جدية وعمق, ويشي بتوجهات لايصحّ تجاهلها أو إهمالها. (مؤتمر هرتسيليا),الذي افتتح في هذا العام (20كانون الثاني 2008) لأول مرة في (الكنيست) الاسرائيلي,استمع علناً إلى الكلمات الرسمية لرئيس الكيان الصهيوني,ورئيسة (الكنسيت),ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش,ووزيرة الخارجية,ووزير الحرب,واختتم بما يعرف باسم (خطاب هرتسيليا) لرئيس الحكومة الصهيونية ايهود أولمرت,الذي يتوقع أن يكون آخر ظهور جماهيري له قبل نشر التقرير النهائي( للجنة فينوغراد) بشأن حرب ( اسرائيل) على لبنان في تموز عام .2006مع الإشارة إلى أن إحدى ندوات المؤتمر خصصت لبحث وتحليل (تقرير لجنة فينوغراد وسياسة الأمن القومي واتخاذ القرارات),إضافة إلى الندوات وورش العمل العديدة المتخصصة بشأن (استطلاع اتجاهات الوطنية الاسرائيلية الراهنة) بمناسبة مرور ستين عاماً على إقامة (إسرائيل),ومحور (مكانة القدس كعاصمة لإسرائيل والشعب اليهودي),ومحور( تبادل المناطق) وغيرها من شؤون استراتيجية. (مؤتمر هرتسيليا) يشكّل عملاً استراتيجياً صهيونياً نوعياً,وفي الوقت نفسه تحدياً سنوياً متجدداً للجامعات ومراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية العربية وللمال العربي والفكر العربي برمته,فهل من استجابة عربية عملية-علمية وواعية ومسؤولة,أم سنزيد من حجم ندواتنا الكلامية المتشابهة,التي تعيد وتسترجع الموضوعات والعناوين ذاتها,ونلوذ بالاستسلام للواقع الراكد,وخدر العقول,والامتثال لشروط التخلّف وحيثياته,والاكتفاء بصب اللعنات على الأعداء و(مكرهم),والغرب الذي يمدّهم بالعلم والعلماء والمال والتقانة المتقدمة..دون أن نفكر بالبدائل,أو نستخدم قدراتنا العربية المهدورة,والغائبة والمغيّبة في هذا المجال,وغيره من المجالات الأساسية والاستراتيجية?!! Kh@Khalaf-aljarad.com |
|