|
قضايا الثورة قدم صورة كارثية قاتمة أخرى للولايات المتحدة التي تردت شعبيتها وسمعتها إلى الحضيض, وباتت في ظل الإدارة الحالية البلد الأكثر جذباً واستجراراً لكراهية وعداء الشعوب, والقوة الغاشمة الممثلة للتهديد الرئيسي والأكبر على السلام بعد حليفها الإسرائيلي, وأظهر الرصيد الفعلي لواشنطن الذي استنزف ويستنزف سياسياً وأخلاقياً وقانونياً, نتيجة الحماقات والمغامرات المتلاحقة للمحافظين الجدد, والفشل في إثبات الأهلية لأن يكونوا المؤتمنين على هذا العالم والطرف الذي يحسن قيادته. هذه النسبة الطاغية والرافضة للسياسة الأمريكية وأدائها الذي اتصف في عهد بوش, بالمواجهة والصدام مع العالم وترهيب وابتزاز شعوبه, والاستهداف لهذه المنطقة بعقلية الاجتياح والحروب وإشعال الحرائق وتعميم الفوضى, والتي تزيد بفارق كبير على أرقام مثيلاتها من الاستطلاعات, التي أجريت في أوروبا وداخل الولايات المتحدة نفسها يتجاوز العشرين بالمئة, تشكل استفتاء حقيقياً وتقدم مؤشرات ومعطيات بمقدار ما تؤكد سلبية وخطورة النهج, الذي تمارسه إدارة بوش تحت تسميات وشعارات وذرائع مختلفة, بمقدار ما ترسم في المقابل حالة صحية مطمئنة عنوانها, تعاظم واتساع وشمولية دائرة الرفض وبما يوجه رسائل بليغة لواشنطن: أنها ليست من يقرر مستقبل العالم ومن غير المسموح لها بذلك. ومما لا شك فيه أن هذا الوضع المتأزم غير المريح والصورة المتردية الغارقة في الأزمات والهزائم والانتكاسات والفضائح, هما المحصلة الطبيعية والنتاج للسياسات الخرقاء القصيرة النظر, والاندفاعة المجنونة للصهاينة الجدد الذين يشكلون اليوم القوام الأساسي والمجموعة المتنفذة, في الطاقم السياسي والعسكري والمالي للولايات المتحدة, والتي تحاول عبثاً إعادة الترميم والتجميل للصورة, والتسويق لحروب الاجتياح والتدخل التي حصدت في العراق وحده, أرقاماً مرعبة من الضحايا تجاوزت باعتراف المصادر الغربية مئتي ألف من أبناء الشعب العراقي, وتسببت بتدمير هذا البلد وإنهاكه وإغراقه في الفوضى دون حسابات الخسارة الأمريكية وثقلها, ومحاولات التغطية عليها بأكاذيب وأوهام تعد بالنصر, يحاول أصحابها استغباء عقول الناس بترداد نغمة الادعاء (بأن العالم اليوم هو أكثر أمناً), بينما الواقع أنه أكثر تهديداً ومعاناة من ظاهرة الإرهاب, التي تنامت واستشرت كالسرطان منذ غزو العراق. قد يكون من الظلم ألا نعطي مجموعة الصقور التوصيف الذي يستحقون, وأن يتم تبرئتهم من تهم وفضائح هم أنفسهم لم يعودوا يجدوا حرجاً في الإقرار بها والسقوط في وحولها, تلك التي تقود بغطرستهم وعدوانيتهم ونزعتهم الإمبراطورية أميركا نحو الكارثة المحققة, وتضع مستقبل البشرية وأمنها وسلامها واستقرارها على كف عفريت. ولا نجافي الحقيقة ولا نتجنى إذا ما أعدنا التذكير نحن أبناء هذه المنطقة, الأكثر تأثراً والأشد معاناة بواقع هذه السياسة المتهورة والمتطرفة والمنحازة كلية إلى جانب إسرائيل, أن الولايات المتحدة وبالأخص في ظل إدارة بوش الحالية لم تقدم للعرب وقضاياهم كما لم تقدم للعالم, غير الوجه البشع لأميركا ولرجل (الكاوبوي) الذي يجيد صناعة القتل لا صياغة السلام, ويتقن إشعال الحرائق والحروب والتضحية بمصالح الولايات المتحدة والشعب الأمريكي, الذي يدفع الاستحقاقات والتبعات من ماله ودم أبنائه بأكلاف كبيرة. |
|