|
معاً على الطريق أين ذهب القراء ؟ وأين ذهب سحر الشعر ؟ لا قصيدة تملأ الروح ولا قارئ ينتظر لأجل قصيدة ..فماذا يجري ؟ هل نضب الشعر أم غادر الشعراء ؟ منذ زمن لم نقرأ أو نسمع قصيدة تفجّ الصمت ، أو تصنع دوائر في بحيرة الشعر ..كل القصائد متشابهة ..وكل الأفكار مملة ..لا الحب يلهم الشاعر ، لأن الحب نفسه فقد الدهشة والصدق ويحتاج إلى زمن طويل كي يرمم ما أصابه من تصدع وانكسار بسبب مواقع التواصل الاجتماعية التي خربت روعة الحلم والانتظار ..ولا البعد عن الديار يعطي نكهة مختلفة وجديدة كالتي وجدناها في شعر إيليا أبي ماضي أو غيره ، بعد أن صار طموح كل شاعر هو أن يغادر ويبتعد ويترك عالماً من الروتين وراءه كما يظن ويعتقد . يقال إن الألم يساهم في صنع قصيدة مختلفة ..فهل هناك ألم أكثر من الألم الذي نعانيه في سورية ؟ وهل من غرائب أكثر فظاعة مما نراه ونسمع به في سورية ؟ مع ذلك لم نجد شعراً يضاهي هذا الألم أو يعبر عن العذاب الذي نعيشه ..هل لأن الألم أكبر بكثير من أن تحيط به قصيدة ..؟ بالتأكيد هو كذلك ..لأن القصيدة أصغر بكثير من حقيبة طفل من أطفال حمص الحبيبة الذين استشهدوا في حي عكرمة ..وأقل بكثير من دموع أم ومن شهقة أب . فماذا تفعل القصيدة في مقبرة الأطفال ؟ وماذا يفعل الشعر بين أشلاء التلاميذ ..؟ هل تقدر القصيدة أن تسميهم وتناديهم بأسمائهم وتعيد لنا دموعهم التي تدور حولنا في السماء وتئن ؟ هل تنتقم القصيدة من السفاحين الذين سرقوا مستقبلهم ومستقبل الوطن ؟ قد تفعل القصيدة شيئاً ..وقد يرفع الشاعر صوته فجأة ..ولكن القصيدة لن تقدر أن تمر في زحمة الرؤوس المقطوعة وفي فيضان الدم ..ولن تقدر أن تزحف بين الأشلاء الحبيبة لأطفال لم يعرفوا ما هو ذنبهم سوى أن الله خلقهم على شاكلته وفي أحسن صورة . هل ستجرؤ القصيدة وتقول لماذا قتلوا ومن القاتل ومن الذي اشترى وباع بدم الأبرياء ؟ هل تقدر القصيدة أن تسمي ؟ تسمي القاتل وتسمي المقتول ؟ أم سنظل كما كنا في حلقة مفرغة نلف وندور حول الاسم وحول المعنى ، حول الدال وحول المدلول ، فيكون الظاهر غير الباطن ويكون المرئي غير المخفي ..وهكذا نبقى في حالة من الخديعة والخداع لأنفسنا أولاً وللآخرين ثانياً..ما يترتب على ذلك سيطرة تاريخ مزور وشعر مزور وانتماء مزوّر . إذا كانت القصيدة جبانة وخائفة فهل تكون صادقة وقادرة على إيصال الحالة إلى المتلقي الذي يساهم هو الآخر بترجمتها ووضع التفاصيل لها ؟ إن القصيدة الخارجة عن التفاعل والصدق والحقيقة لن تكون سوى رصف كلام ولن يكون الشاعر سوى قوال يقول ويقبض الدراهم . فمن سيصدق قصيدة مزورة ..؟ ومن سيصدق شاعراً كاذباً .؟ واليوم وبكل جرأة ينتشر الكذب في الشعر وفي النثر ..وينتشر التزوير وتغيير الحقائق ..ولولا ذلك ما كان العثماني أقرب إلى بعض أبناء الوطن من السوريين ..ولولا النفاق والكذب ما استطاع المسلح الأفغاني أن يقطع رأس السوري ..وما كانت نساء يهوديات وغربيات يأتين إلى سورية ليكتبن قصيدة العار والعري والفضيحة والذبح ويتقمصن دور عاهرات المعبد ..هكذا يكون الكذب في التاريخ ..وهكذا يكون التزوير في صفحات الماضي حتى تكون النتيجة ذبح الجنود السوريين وأكل قلوبهم وتفجير مدارسهم وقتل فلذات كبدهم وتسخير بترولهم وثرواتهم لتفتيت سورية والنيل من صمودها ومقاومتها وتهشيم قلب العروبة النابض فيها ..فماذا يفعل الشعر ؟ وما هو دوره في الزمن الأميركي العثماني السعودي ؟ يبدو الشعر العربي عاجزاً في هذه المرحلة .. إنه كالهارب من حدّ السكين ..وأنا هنا لا ألوم الشاعر ولا القصيدة ، فزمن الشعر ليس الآن ..الآن فقط ، للقتل والنهب والاغتصاب وتمزيق الأوصال ..لكن الآن أيضاً للصمود والمواجهة والصبر وتقديم الشهداء كقرابين لسورية الأبية ولترابها المقدس ..وهل هناك من قرابين أقدس وأطهر من تلاميذ حمص الصغار وهل من قصيدة تكتب بعد قصيدة دمهم النقي وبعد أهازيج الفراق والدموع على وسائدهم التي تحمل رائحتهم الذكية ؟ يا شهداء سورية..أنتم الشعر وأنتم القصيدة الصادقة ، فليغادر الشعراء منابرهم ليس وقتها الآن . |
|